الفرق بين مصطلح يهودي وإسرائيلي وعبري وصهيوني

الفرق بين مصطلح عبري وإسرائيلي ويهودي وصهيوني

يخلط البعض بين مصطلحات “عبري”، و”إسرائيلي”، و “يهودي”، و “صهيوني” عند الحديث عن تاريخ بني إسرائيل؛ لذا من الأفضل الوقوف على الفروق اللغوية والاصطلاحية بين هذه المفاهيم، لبيان المعنى الدقيق، وتأصيل المعرفة بتاريخ اليهود عبر العصور من خلال معرفة المراحل التاريخية لاستعمال كل مصطلح من هذ المصطلحات.

مصطلح عبري أو عبراني

في العبرية “عبري- עברי”، والجمع “عبرييم- עבריים”، وقد اشتقت كلمة “عبري” من الفعل الثلاثي “عبر- עבר”، بمعنى قطع مرحلة من الطريق، أو عبر الوادي أو النهر. والعِبْر עֶבֶר- بكسر العين وسكون الباء- اسم موجود في العبرية بكسرتين خفيفتين “إمالة”، ومعناها كما هو في اللغة العربية، الجهة الأخرى التي يستلزم الوصول إليها عبورًا.

كان الخليل إبراهيم عليه السلام أول من وصف بالعبراني، وإن اختلفت الآراء في سبب هذا الوصف، فهناك من يرى أن إبراهيم قد وُصف بالعبراني حين نزح بأسرته من العراق إلى كنعان، حيث عبروا النهر- نهر الأردن أو نهر الفرات- ذلك لأن كلمة نهر في التوراة كانت تطلق على كل الأنهر الكبيرة، دون أن يضاف إليها ما يميزها. إلا أن الدكتور حسن ظاظا يرى أنه الفرات، وأن حادث العبور يعود إلى يعقوب، وليس إبراهيم، وذلك حين انفصل عن صهره “لابان”، ثم اشترط الأخير ألا يعبر يعقوب النهر أبدًا.

ولكن المعروف أن إبراهيم كان أول من دًعي عبراني في التوراة، ومن ثم فإن كثيرًا من العلماء، ومنهم ابن الصلتي وابن العبري والدكتور كلفن، يرجحون أن التسمية ناتجة عن عبور إبراهيم نهر الفرات، هذا فضلاً عما جاء في سفر يشوع عن هذه التسمية، وأخيرًا فإن اللفظة لم تظهر إلا بعد اجتياز إبراهيم نهر الفرات، فإذا أضفننا إلى كل ذلك أن التاريخ يحدثنا إن إبراهيم إنما قد عبر الفرات قبل يعقوب بزمن طويل، لكان لهذا الرأي من الوجاهة أكثر من سابقه.

هناك رأي آخر يذهب إلى أن “عبراني” إنما هي نسبة إلى “عابر”، الذي ينحدر من “سام” أكبر ابناء نوح عليه السلام، ولكن هناك من يرفض هذا الرأي بقوله أن إبراهيم لو شاء أن ينتسب إلى أحد أجداده، لكان من البديهي أن ينتسب إلى “سام” أشهر أجداده، ولظهرت هذه التسمية قبل عبوره الفرات.

وهناك رأي ثالث يرى أن كلمة “عبراني” أو “عبري” لا ترجع إلى حادثة بعينها، أو شخص بعينه، وإنما ترجع للموطن الأصلي للعبرانيين، وهو الصحراء، إذ أن القوم كانوا في الأصل من الأمم البدوية الصحراوية، التي لا تستقر في مكان، ومن هنا فإن كلمة “عبري” مثل كلمة بدوي، أي ساكن الصحراء أو البادية. ولكن هذا الرأي يناقضه أن هذه التسمية إنما اختص بها العبرانيون دون غيرهم من الأمم السامية، والتي لا تختلف عنهم في موطنهم الأصلي.

للمزيد إقرأ أيضًا:

وتقابل كلمة “عبري” عند المصريين القدماء الكلمة “عبيرو”، وعند البابليين “خبيرو”، وهم الذين جاء ذكرهم في رسائل تل العمارنة، ومن ثم فقد ذهب فريق من العلماء، ومنهم هول واوسترلي وولي وأولبرايت ودريتوون وفاندييه وباهور لبيب وأحمد بدوي وميك إلى أعوام قليلة مضت، مؤكدين أن هؤلاء الخابيرو هم العبرانيون في التوراة، بيد أن هذا الأمر لا يتقبله اليوم سوى القليل من العلماء.

وفي هذا يرى جون ويلسون أن هؤلاء الخبيرو أو العبيرو، على الرغم من أن الكلمة “عبري” مشتقة منهم، إلا أنهم لم يكونوا من بني إسرائيل، والأرجح أن الكلمة إنما كانت اسمًا لقبائل بدوية ممن كانوا يقطنون شرق الأردن. ويرى إدوارد دروم أن العلاقة بين اللفظين مشكوك فيها، فلفظة خبيرو صفة معناها الرفيق أو الحليف أو الشريك، أما عبري فإنها مشتقة من الفعل السامي “عبر” بمعنى اجتاز.

والثابت أن الاسم “خبيرو” أو “خابيرو” لم يطلق على شعب بعينه، ولم يطلق على طائفة لها لغتها الخاصة أو جنسيتها الخاصة، بل كانوا على ما يبدو قومًا أرخوا لساقهم العنان، يتألفون من سلالات مختلفة، ويحمل معظمهم اسماء سامية، ولكنهم أحيانًا يدهون لأنفسهم صلات لغوية أخرى.

كما يُفهم من نصوص “بوغازكوي” و “نوزي” أن الكلمة مرادفة لكلمة الجنود الرحل الذين يستأجرهم قادة الجيوش لقاء أجر، أو طمعًا في الغنائم، ولم يكونوا حتى مرتزقة نظاميين، باختصار فإنهم يمثلون اصطلاحًا شاملاً اطلق على “المنبوذين” أو العصابات التي لا تنتسب إلى أية مجموعة عرقية محددة.

ويظهر الخبيرو في النصوص المصرية كأسرى أسيويين يستخدمون في المحاجر. وأما متى ظهر الخبيرو في التاريخ، فهناك من يشير إلى أن اسمهم قد تردد في بعض الوثائق المسمارية، التي يرجع زمن تدوينها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قبل الميلاد.

على أية حال، فقد كان الكنعانيين أول من أطلق على إبراهيم عليه السلام لقب العبراني، ثم سار لقبًا لبعض نسله بعد ذلك، كما استعمل العبريون أنفسهم هذه التسمية، مفرقين بها بين بني جلدتهم وبين غيرهم من الشعوب، وإن كانوا يفضلون دائمًا لفظة “إسرائيليون”، خاصة بعد أن استوطنوا كنعان، وعرفوا المدنية والحضارة.

كما استعملت التوراة أحيانًا لفظة “عبرانيين”، عند الإشارة إلى بني إسرائيل في مصر، ثم تغير مدلول اللفظة منذ سبي الأسباط العشرة إلى “نينوى” في أيام الملك الآشوري “سرجون الثاني” عام 722 ق.م، وتشتيتهم في البلاد، وتسمى الشعب “يهوذا” نسبة إلى السبط الأقوى، وبطل استعمال لفظة “عبرانيين”، التي كانت تدل على كل الشعب، وأخذت معنىً جديدًا، وذلك حين تشتت العبرانيون جميعًا بين الشعوب، ثم سرعان ما نسوا لغتهم العبرية، وفي نفس الوقت دخل كثير من الوثنيين اليهودية، وعدهم اليهود منهم.

إلا أن اليهود أرادو أن يميزوا بين اليهود الأصليين والدخلاء، ومن ثم فقد أصبحت لفظة “عبراني” تدل على اليهود المقيمين في فلسطين، وكذا اليهود المغتربين، الذين حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم القديمة، أما اليهود المغتربين، الذين فقدوا لغتهم العبرية وعاداتهم القديمة، وكذا الدخلاء في اليهودية، فلم يحسبوا إلا يهودًا، وهؤلاء لا يحق لهم الاشتراك في نعم الشعب الخاصة.

مصطلح إسرائيلي

تُنسب كلمة “إسرائيلي” إلى “إسرائيل”، وهو الاسم البديل ليعقوب عليه السلام، بل هو اسم أمره الرب أن يتخذه بدلا من اسمه الأصلي يعقوب على رأي وبواسطة ملاك “يهوه” على رأي آخر. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن اليهود يعتقدون أن الله هو الذي منح يعقوب هذا الاسم، بعد النصر الذي اكتسبه جدهم الأعلى على إله عند مخاضة يبوق.

و “إسرائيل” كلمة عبرية يختلف الباحثون في معناها، وهي مكونة من “إسرا” بمعنى عبد أو صفوة، ومن “إيل” بمعنى الإله أو الرب؛ وبذا يكون معنى “إسرائيل” عبد الله، أو صفوة الله، وإن رأى البعض أن معناها “ليحكم إيل”، أو “إيل يحكم”، بينما يتجه فريق ثالث إلى أنها تعني “يجاهد مع الله”، أو “الله يصارع”، أو “الأمير المجاهد مع الله”، أو “جندي الرب”، أو “الله يجاهد أو يبقى”.

بينما يذهب فريق رابع إلى أن المعنى الذي تتجه إليه تلقائيًا أذهان جمهرة اليهود، إنما هو “كان قويًا ضد الله”، ولعل قريبًا من هذا ما يراه آخرون من أنها بمعنى “المنتصر على الله”، وذلك لأن يعقوب إنما قد انتصر على الإله الذي صارعه، ثم أخذوا بعد ذلك يدعون أن الانتصار لم يكن على الله، بل إلى الله، غير آبيين بالتناقض الذ ي وقعوا فيه، وأخيرًا من الغريب أن “دي بورج” يرجح أن “إسرائيلي” و “عبري”، إنما كانا في الأصل اسمين لعشائر.

وهكذا فقد ورث ابناء يعقوب كنية أبيهم يعقوب هذه، ومن ثم أصبح يطلق عليهم اسم “إسرائيل”، كمرادف لـ “بني إسرائيل”، حتى منذ أيام يعقوب نفسه، ثم صار علمًا عليهم منذ خروجهم من مصر، وحتى آخر أيام الملك شاؤول أول ملوك إسرائيل، وليس إلى ما بعد موت سليمان عليه السلام، فيما يرى البعض ذلك، لأن بداية الانفصال إنما كانت في أعقاب موت “شاؤول” مباشرة حوالي عام 1000 ق.م، حين انضمت القبائل الجنوبية إلى داود، بيما انضمت القبائل الشمالية إلى “ايشبعل” بن شاؤول، الذي سمى نفسه ملك إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت استمر هذا التحديد لاسم إسرائيل معمولاً به في المجال السياسي، وبقيت كل من إسرائيل ويهوذا ككيان مستقلين.

وتظهر هذه التفرقة بين إسرائيل ويهوذا في الإحصائيات التي كان يقوم بها داود، ولكن التفرقة إنما تصبح على صورة أوضح، وبصفة نهائية بعد موت سليمان، حوالي عام 922 ق.م، وانقسام دولته إلى دويلتين، الأولى في الشمال وتدعى إسرائيل، والأخرى في الجنوب وتدعى يهوذا.

وأما بعد العودة من ااسبي البابلي حوالي 539 ق. م، ورغم أن العائدين كانوا بصفة رئيسية من يهوذا، فإنهم قد انتحلوا اسم “إسرائيل” كمرادف لـ “شعب إسرائيل”، أو “بني إسرائيل”، ولكنهم كانوا “يهوذا” في الأبوكريفا وفي العهد الجديد.

وأما مصطلح “إسرائيل” في العهد الجديد وعند المسيحيين بصفة عامة، فيقصد به الكنيسة المسيحية المثلى، وهم يمثلون جميع الشعوب وكل الأجناس.

كذلك فإن الفرق بين بني إسرائيل واليهود في القرآن، هو أنه لم يُذكر “إسرائيل” إلا مرتين، إلى جانب الاسم الشائع بني إسرائيل، الذي تكرر إحدى وأربعين مرة للدلالة على قوم إسرائيل.

المصطلح يهودي

كلمة “يهودي” من الهود وهي جمع هائد، وهو التائب، وهاد الرجل أي رجع وتاب، وتهود أي دخل في اليهودية، وهو هائد والجمع هود، والهود: اليهود، وتجمع على يهدان، من الهوادة وهو المودة واللين، وما يرجى به الصلاح، أو التهود: وهو التوبة والرجوع إلى الحق.

هذا وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الإسرائيليين إنما سموا يهودًا، حين تابوا عن عبادة العجل، ثم لزمهم هذا الاسم لقول موسى عليه السلام: “إنا هدنا إليك”، أي رجعنا وتضرعنا. وذهب آخرون إلى أن التسمية إنما كانت لأنهم كانوا يتهودون، أي يتحركون عند قراءة التوراة. هذا ويرجح بعض الباحثين نسبة يهودي إلى يهوذا رابع ابناء يعقوب، أو إلى مملكة يهوذا بمقارنتها بمملكة إسرائيل.

وقد اختلفت الآراء حول بداية استعمال هذا الاسم، فهناك من يرجعه إلى عصر موسى، أي القرن الثالث عشر ق. م، وهناك من يرجعه إلى عصر داود وسليمان، من 1000- 922 ق.م، حين كانت الغلبة على الإسرائيليين لسبط يهوذا، وإن كانت التوراة لم تذكره قبل أيام أحاز (735- 715 ق. م) ملك يهوذا، وأخيرًا هناك فريق تأخر به إلى أيام الفرس (539- 332 ق. م).

شاعت هذه التسمية أيضًا أيام السبي البابلي (587- 539 ق.م) حتى غدت لقبًا لكل الأمة، وذلك لأن الأسباط العشرة التي كانت تتكون منها دويلة إسرائيل قد ضاعت في زوايا النسيان منذ السبي الآشوري عام 722 ق. م، ولأن دولتهم التي دمرها الملك البابلي “نبوخذ نصر” عام 587 ق. م كانت معروفة باسم “يهوذا”، وعرفوا حينئذ ببني يهوذا، وقيل للواحد منهم “يهودي”، ثم اتسمت هذه الكلمة فأصبحت لفظة “يهود”، أعم من بني إسرائيل، لأن كثيرًا من أجناس العرب والروم والفرس وغيرهم صاروا يهودًا، ولم يكونوا من بني إسرائيل.

وهكذا أطلق الإسرائيليون وأهل يهوذا على أنفسهم لفظ “يهوذا”، وكذلك على كل من دخل في ديانتهم، تمييزًا لهم عن غيرهم، ممن لم يكونوا على هذا الدين.

كذلك فإن اسم “يهوذا” نفسه، قريب من اسم إله الشعب “يهوه”، ويختلف عن كلمة عبراني وإسرائيلي، فهي لا تدل على الإيمان بالله، والتمسك بالعادات القديمة مثل “عبري”، أو على فخر شخصي مثل “إسرائيلي”، وإنما كان لفظ “يهودي” يدل على ذلة الشعب وخضوعهم لحكام البلاد التي سكنوها، وخجلهم بعد أن انفصلوا عن إخوانهم.

وانطلاقًا من هذا كله، ولما تثيره كلمة يهودي من اشمئزاز في نفوس سامعيها، أصبح اليهود يطلقون على أنفسهم لفظ “الساميين، نظرًا لأنهم يتحدثون اللغة العبرية التي هي إحدى اللغات السامية. والواضح أن هذه التسمية غير صحيحة، فقد كان أسلافهم يتكلمون الآرامية قبل أن يستقرون في فلسطين، ويتخذوا الكنعانية لغة لهم، وعندما ظهروا بمصر لأول مرة، ربما كانوا يتكلمون اللغة المصرية. كما أننا نعرف من ثنايا التوراة أن الإسرائيليين كانوا قبل العبرية، التي اقتبسوها من الكنعانيين بعد تسللهم إلى أرضهم، وكانوا يتكلمون لغة الشعوب المضيفة لهم.

المصطلح صهيوني

المصطلح “صهيوني” نسبة إلى “صهيون”، وهو اسم جبل يشرف على مدينة القدس، جاء ذكره للمرة الأولى في التوراة، كموقع لحصن يبوسي احتله داود، وسماه مدينة داود، ثم أتى إليها بتابوت العهد، فأخذت قداسة خاصة عند اليهود. بل إن داود إنما نجح في عمله هذا في أن يجعل من أورشليم ليس مركزًا للحياة السياسية فحسب، وإنما مركزًا للحياة الدينية كذلك.

ومن كلمة “صهيون” هذه اشتقت الحركة الصهيونية اسمها، والتي كان الهدف الأساسي منها، بل والوحيد كذلك، إنما هو إعادة اليهود إلى فلسطين، كما يقول إسرائيل كوهين.

وبالعودة إلى كلمة “صهيون” نفسها، لم نجد لها أصلاً متفق عليه في اللغة العبرية، ويرجح أكثر الباحثين أنها عربية الأصل، ولها نظير في اللغة الحبشية، وأنها من المادة الصون والتحصين، وكانت فعلاً من حصون الروابي العالية.

وهناك من يفترض أنها كلمة مستعارة من العيلاميين، عن طريق البابليين، بمعنى معبد، بيد أن هذا الفرض إنما يصطدم بصعوبات عديدة، منها أننا لا نملك أية أدلة تشير إلى قيام علاقات خاصة بين فلسطين وبابل وعيلام في تلك الفترة، ومنها أنه لا يوجد أي دليل على استعمال هذه الكلمة في اللغة البابلية أو الآشورية في ذلك الوقت المبكر، الذي كانتا قد انفصلتا فيه عن السومرية.

كذلك فإن الكلمة العيلامية تعني “معبد”، بينما تعني كلمة “صهيون” أصلاً القلعة أو الحصن، ثم اتسع مفهومها الجغرافي فيما بعد ليضم تل المعبد، ثم أصبح الاسم في زمن متأخر نسبيًا يطلق على كل التل في جنوب شرق أورشليم. ومن جهة أخرى فإن كلمة صهيون على ما يبدو ترجع إلى ما قبل الإسرائيليين، حيث إن الحصن كان معروفًا بهذا الاسم قبل أن يستولي عليه داود، ويطلق عليه اسمه.

كما تنسب كلمة “صهيوني” إلى الحركة الصهيونية، وهي الحركة التي قامت في شرق أوروبا جراء اضطهاد اليهود في روسيا بولندا والمانيا، بقصد إصباغ صلة القومية السياسية على العنصر اليهودي.

وهناك من يرون أن الحركة الصهيونية ليست حركة سياسية، وإنما حركة دينية، وأن الفرق بين اليهودية والصهيونية غير موجود، وذلك لأن فكرة الصهيونية الوطنية قد نبتت بذورها من المزمور (137)، والذي جاء فيه: “إن نسيتك يا أورشليم ، تنسى يميني،  ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي”.

بل إن سفر إشعياء يدعو إلى العمل من أجل مجد صهيون، حيث يقول: “من أجل صهيون لا أسكت، ومن أجل أورشليم لا أهدأ حتى يخرج برها كضياء وخلاصها كمصباح يتقد، فترى الأمم برك وكل الملوك مجدك، وتسمين باسم جديد يعينه فم الرب”.

كما يقول تيودر هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، “إن فلسطين التي نريدها هي فلسطين داود وسليمان”، كما يربط خليفته في قيادة الصهيونية “حاييم وايزمان” بين الصهيونية واليهودية ربطًا لا فكاك منه، وذلك حين يقول: “إن يهوديتنا وصهيونيتنا متلازمتان متلاحقتان، ولا يمكن تدمير الصهيونية بغير تدمير اليهودية”.

فترات استعمال المصطلحات “عبري وإسرائيلي ويهودي وصهيوني”

وانطلاقًا من هذا كله، لعلنا الآن نستطيع أن نحدد الفترة التي ساد فيها اسم كل من الاسماء السابقة “عبراني، وإسرائيلي، ويهودي، وصهيوني”، فالاسم “عبراني” ساد في الفترة ما بين إبراهيم وموسى عليهما السلام، كما أصبح الاسم “إسرائيلي” علمًا على الفترة التي بدأت بخروج بني إسرائيل من مصر، ذلك لأن رهط موسى إنما كانوا أول من أطلق عليهم اسم “بني إسرائيل”، وذلك في سفر الخروج الذي تتحاشى نصوصه كلية ذكر كلمة “عبراني”، وهي التي كانت علمًا على القوم طيلة سفر التكوين، فيما قصر اسم إسرائيل على شخص بعينه وهو “يعقوب”، ولم تنسحب قط على أي قوم من الأقوام.

واستمر الأمر كذلك حتى قيام مملكة داود، وبصفة خاصة حتى موت سليمان، حيث ظهر الاسمان إسرائيل ويهوذا جنبًا إلى جنب، وبقيا كذلك حتى تدمير دويلة إسرائيل على يد الملك الأشوري “سرجون الثاني” عام 722 ق. م، ثم ترك المجال لاسم “اليهود” حتى القرن التاسع عشر الميلادي، حيث بدأ اسم “الصهيونيين” يظهر إلى الوجود كاسم مرادف لليهود.

لا يعني كل هذا تحديدًا دقيقًا للمصطلحات المختلفة التي عرف بها اليهود طوال تاريخهم، ودقة انطباقها على هذه الفترات من التاريخ اليهودي، ذلك لأن هذه الاسماء إنما قد تداخلت في بعضها البعض الآخر في كثير من المراحل، ومن ثم فقد عرف اليهود تحت أكثر من اسم واحد في فترة واحدة من تاريخهم.

لقد عرف اليهود في البداية باسم العبرانيين، ثم سرعان ما ظهر اسم “الإسرائيليين ” إلى جانب الاسم العبرانيين، وإن كان الاسم الأخير يكاد يختفي منذ عصر المملكة، ليظهر بدلاً منه اسم “اليهود”، وليعرف القوم به، وباسم الإسرائيليين في نفس الوقت، وإن كانوا قد عرفوا باليهود في الغالب الأعم، وبقي الأمر كذلك حتى ظهر الاسم “الصهيونيين” في العصر الحديث، وإن كان يرجع جذوره الأولى إلى أيام السبي البابلي، مع ذلك لم يطمس اسم “الصهيونيي” غيره من الاسماء، باستثناء اسم العبرانيين، الذي أصبح نادر الاستعمال.

المصدر: كتاب بنو اسرائيل من عصر إبراهيم وحتى عصر موسى، محمد بيومي مهران، دار المعرفة الجامعية، الأسكندرية، 1999، ص 29- 53.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية