قصة سيدنا موسى.. قصة موسى في التوراة من الميلاد وحتى الممات

قصة سيدنا موسى.. قصة موسى في التوراة من الميلاد وحتى الممات

جميعنا يعرف جيدًا قصة سيدنا موسى في القرآن الكريم، وكما فسرها جمهور المفسرون من أمثال ابن كثير في البداية والنهاية، فقد عرفنا موسى في القرآن الكريم على أنه كليم الله، ونبيه الذي أُرسل إلى آل فرعون، بيد أن قصة سيدنا موسى التي وردت في العهد القديم في سفر الخروج، تكشف لنا عن الكثير من الجوانب المهمة في الديانة اليهودية، ورغم أن موسى عليه السلام هو نبي في الروايتين، إلا أن مفهوم النبوة يختلف في كل من التوراة والقرآن الكريم، فدائماً ما يبجل القرآن الكريم الأنبياء ويقدمهم كشخصيات قائدة تكون قدوة للمسلم، في حين لا يدقق العهد القديم في صورة النبي ولا يهتم بأهمية أن يكون قدوة للإنسان في حياته.

لذا آثرنا أن نقدم في هذا المقال قصة سيدنا موسى في التوراة،كما وردت في سفر الخروج. بحيث يمكن للقارئ أن يعقد في ذهنه مقارنة بين قصة سيدنا موسى في التوراة، وقصة سيدنا موسى في القرآن، فكما قال الشاعر “والضد يظهر حسنه الضد”، ليستنتج حقيقة الأمور ويطمئن قلبه لنعمة الإسلام، حيث نجد فرقًا شاسعًا بين مستوى النصين، من حيث الفصاحة وصحة الحقائق الواردة فيها؛ ولذا ننصح القارئ بقراءة نص التوراة وعدم الاكتفاء بقراءة القصة كما سيتم سردها في هذا المقال.

قصة سيدنا موسى في الديانة اليهودية

هو موسى ابن عمرام، وبالعبرية משה בן עמרם، ويلقبه اليهود بـ “سيدنا موسى”، وباللغة العبرية משה רבנו، وتقدر المصادر اليهودية ميلاده ما بين 1392- 1531 ق. م، في أرض جاسان بمصر، وتسمى بالعبرية أرض جوشن، ووفاته ما بين 1273- 1411 ق.م، في جبل نبو في الأردن، والذي يسمى في الإسلام “الكثيب الأحمر”، وتدعى زوجته “صفورة”، وهو من سبط لاوي، وتدعى والدته “يوكابد بنت لاوي”، وابناءه هم جرشوم واليعازر، وقد خلفه في قيادة بني إسرائيل يوشع بن نون، كما خلفه في الزعامة الدينية أخيه هارون، الذي يلقب في اليهودية بـ “هارون الكاهن”، و اليعازر بن هارون.

للمزيد إقرأ أيضًا:

يعد موسى عليه السلام أهم أنبياء بني إسرائيل من حيث المكانة، وقد وردت قصته في سفر الخروج في التوراة، والتي تسمى أحيانًا توارة موسى، وقد أرسله الله وفقًا للديانة اليهودية ليقود بني إسرائيل في خروجهم من مصر، حيث قاد بني إسرائيل لمدة أربعين عام في فترة التيه في صحراء سيناء في طريقهم للأرض المقدسة. وقد تلقى موسى التوراة، تلقى سيدنا موسى التوراة في جيل سيناء ونقلها لبني إسرائيل.

يعد الإيمان بسيدنا موسى هو الركن السابع من أركان العقيدة اليهودية كما حددها الفيلسوف اليهودي موسى ابن ميمون؛ ولذلك فقد سميت الديانة اليهودية على مدار التاريخ بـ “دين موسى”.

كما يعد سيدنا موسى نبي جوهري في الديانات التوحيدية مثل الإسلام والمسيحية، كما تعده طائفة اليهود السامريون النبي الوحيد لبني إسرائيل.

ووفقًا للتوراة فقد قضى موسى طفولته وشبابه في قصر فرعون مصر، كما قضى فترة مهمة أخرى من حياته في مدين، ثم عاد إلى مصر وهو في الثمانين من عمره ليقود بني إسرائيل في خروجهم من مصر وليخلصهم من العبودية وفقًا للتوراة، إلا أنه لم يتمكن من الدخول إلى أرض كنعان مع بني إسرائيل، وتوفى بعد أن تمكن من رؤيتها من قمة جبل نبو.

قصة سيدنا موسى.. الميلاد

وفقًا لما جاء في التوراة ولد سيدنا موسى في مصر في بني إسرائيل في الجيل الرابع بعد الهجرة إلى مصر، زمن الآباء (لا يعد كل من يعقوب ويوسف أنبياء في اليهودية وإنما آباء مثل إبراهيم وإسحاق) يوسف ويعقوب طبقًا لسلاسل أنساب التوارة؛ والتي تنسب موسى للاوي ابن يعقوب، والذي يمثل الجيل الأول من الهجرة، وقد انجب ابنه قهات عمرام، الذي يمثل الجيل الثالث من الهجرة، والذي تزوّج يوكابد من بنات لاوي أيضًا، والتي أنجبت منه موسى ثالث أولادها وأصغرهم، حيث يكبر هارون موسى بثلاث سنوات.

وُلد موسى وفقًا لما ورد في التوراة في ظروف صعبة، فبعد أربعة أجيال من هجرة آل يعقوب إلى مصر “أثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا جدًا” (سفر الخروج 1: 7)، مما سبب خوفًا لفرعون مصر، خشية انضمامهم للأعداء حال اندلاع حرب أو منازعتهم في ملك الأرض، لذلك أمر باستعبادهم، بحسب ما جاء في (الخروج 1: 14): “ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية”.

لم يكتفي الفرعون بذلك، وإنما أمر الملك القابلات بقتل الذكور من بني إسرائيل، تخلصًا منهم للتغلب على نموهم العددي، في هذه الظروف ولد موسى، فتخوفت أم موسى عليه، فخبأته لثلاث أشهر، وعندما عجزت عن إخفاءه لمدة أطول، وضعته في سلّ من القصب وطلته بالزفت، وخبأته بين حشائش حافة النهر، ثم أوفدت أخته مريم الكبرى لحراسته. 

في هذا الوقت توجهت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل مع جواريها، ووجدت السلّة “ورقّ قلبها” لموسى فاعتنت به، وعندما أبى الطفل الرضاعة تدخلت مريم أخته الكبرى سائلة بنت فرعون أن تجلب أم الصبي لترضعه، فأرضعته مقابل أجر، ومكث موسى فترة الرضاعة والطفولة في بيت أهله، وبعد فطمه استقرّ في منزل ابنة فرعون، التي دعته “موسى” والتي تعني حرفيًا المنتشل من الماء.

قصة قتل موسى الرجل المصري

تذكر التوراة أنه رغم تربية موسى في بيت مصري، إلا أنه لم ينس جذوره العبرانيّة أو بني قومه. وحين خرج موسى “ليتفقد أحوال إخوته”، رأى رجلاً مصريًا يضرب رجلاً عبرانيًا، فقتل المصري ودفنه في الرمل في ذات الموضع، وعندما أدرك موسى أن الأمر قد انكشف في اليوم التالي، وذلك عندما خرج ورأى رجلين إسرائيليين يتخاصمان،‏ فقال موسى للمذنب:‏ ‹لماذا تضرب أخاك؟‏›‏،فقال الرجل:‏ ‹مَن جعلك رئيسا وقاضيا علينا؟‏ هل تريد ان تقتلني كما قتلت ذلك المصري؟‏›‏، حينها خاف موسى‏ وعرف أن أمره قد كُشف.‏ وعندما سمع فرعون بذلك،‏ أرسل اناسًا لقتله.‏ فهرب موسى إلى أرض مدين في سيناء.‏

قصة سيدنا موسى في مدين

بعد وصول موسى إلى مدين، جلس عند البئر تحت شجرة، ثم رأى سبع فتيات يتعرضن لمضايقات الرعاة، حيث لا يتمكنن من سقاية أغنامهن لعدم رغبتهن في مزاحمة الرجال، حينها سقى موسى غنمهنّ، فما كان من والدهنّ المدعو في التوراة يثرون، وباللغة العبرية יתרו, كما يُدعى أحيانًا رعوئيل أي صديق الله- كما يدعى النبي شعيب في الإسلام- وهو كاهن مدين، وبسبب أمانته زوج يثرو موسى إحدى بناته وهي صفّورة، والتي انجبت للنبي موسى ابنه البكر جرشوم. وعندما استقر موسى في مدين، عمل راعيًا لغنم حموه يثرو، وعلى الرغم من زواج موسى بابنة يثرو فقد ذكرت التوراة أن موسى كان يعتبر نفسه “نزيلاً في أرض غريبة” وفقا لما جاء في (الخروج 2: 22).

تلقي سيدنا موسى الألواح “الوحي”

 بحسب قصة سيدنا موسى الواردة في التوراة، بينما كان موسى يرعى الغنم كعادته، ساق الغنم إلى جبل حوريب، فرأى شجرة عليق تشتعل بها النار دون أن تحترق، وعندما رآها صدر صوت من وسط العليقة: “وقال، موسى موسى، فقال ها أنذا، فقال لا تقترب إلى ههنا، واخلع نعليك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة” (الخروج 3: 4).

تتابع القصة التوراتية إن موسى ىشعر بالخوف، فأخبره الله بمهمته وهي إرساله إلى فرعون ليخلص بني إسرائيل: “هلمّ فأرسلك إلى فرعون تخرج شعبي بني إسرائيل من مصر” (الخروج 3: 10).

حينها سأل موسى الله عن اسمه فأجابه: “أهيه الذي أهيه” (الخروج 3: 14)، بمعنى “أكون الذي أكون” أي يهوه. وحين طلب موسى علامة يثبت بها لبني إسرائيل صدق دعوته عندما يدعوهم، قدّم الله له معجزتين الأولى عصا الراعي الخاصة به إذا ما رماها على الأرض فتحولت إلى أفعى، وإذا عاد وأمسك بذيلها رجعت عصا؛ والثانية أن يدخل موسى يده في جحره فإذا أخرجها كانت “برصاء مثل الثلج” وإذا ردها إلى القميص وسحبها مجددًا عادت سليمة. وعندما أخبره موسى بأنه “ثقيل الفم واللسان” (الخروج 4: 10) أرسل معه أخاه هارون، وبذلك أصبح موسى عليه السلام نبيًا.

كان وجود موسى واستقراره في أرض مدين، زمنًا كافيًا كي يموت جميع طالبي موت موسى، لذا فقد عاد إلى موطنه من مدين مصطحبًا معه زوجته وابنه الذي ختنه في الطريق، وعند عودته، تذكر التوراة في سفر (الخروج 4: 29): “مضى موسى وهارون وجمعا شيوخ بني إسرائيل، فتكلم هارون بجميع الكلام الذي كلّم الرب موسى به، وصنع الآيات أمام عيون الشعب، فآمن الشعب، ولما سمعوا أن الرّب افتقد بني سرائيل، وأنه نظر مذلتهم، خرّوا وسجدوا”.

قصة سيدنا موسى مع فرعون والسحرة

كان الله قد أخبر موسى بعد حادثة نار العليقة كما جاء في (الخروج 8: 1- 2): “إثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هذِهِ بَيْنَهُمْ. وَلِكَيْ تُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ابْنِكَ وَابْنِ ابْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ، وَبِآيَاتِي الَّتِي صَنَعْتُهَا بَيْنَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».

 بعد اللقاء الأول بين موسى وفرعون، والذي طلب فيه موسى تحرير بني إسرائيل ثلاث أيام ليعبدوا الرب، ويقدموا الذبائح تكريمًا له في البرية، لم يرفض فرعون فحسب، بل أمر بتشديد العمل على بني إسرائيل، فبدلاً من تقديم التبن للعمال جاهزًا لإعداد لبن البناء، بات من الواجب أن يحضروا التبن بأنفسهم دون أن تنقص كمية لبن البناء في اليوم، مما سبب تذمر بني إسرائيل. 

الضربات العشر في قصة سيدنا موسى

خلال ذلك كانت الضربات العشر التي نزلت على قوم فرعون قد بدأت، حيث لم يؤمن فرعون خلال اللقاء الأول رغم معجزة العصا التي تحولت إلى ثعبان، والتي جرت أمام ناظريه، وعلى الرغم من فشل سحرة مصر في التصدي للمعجزة.

وكذلك في اللقاء الثاني، عندما ضرب موسى النهر بعصاه فحوله إلى دم غير أنه: “اشتدّ قلب فرعون فلم يسمع لهما”.

 وبعدها بسبع أيام، كان اللقاء الثالث، بناءً على أمر الله لموسى، فإذا رفض فرعون نزلت الضربة الثانية بأن اجتاحت الضفادع الأرض والمنازل بشكل كثيف؛ فطلب فرعون للمرة الأولى من موسى وهارون أن يرفعا الضفادع كي يطلق بني إسرائيل ليعبدوا الرب، غير أن فرعون تراجع عن وعده بعد موت الضفادع، فنزلت الضربة الثالثة بأن تكاثر البعوض بشكل كبير، وفشل موالي فرعون من سحرة وعرافين في القضاء على البعوض، فنصحوا فرعون بأن يطلق بني إسرائيل غير أنه رفض.

مع عناد فرعون ورفضه لنصائح وزراءه وسحرته، نزلت الضربة الرابعة بأن تكاثر الذباب وعشش في بيوت قوم فرعون دونًا عن بني إسرائيل. حينها وافق فرعون على طلب موسى، وإذ خرج الشعب رفعت ضربتي البعوض والذباب، غير أن فرعون نكث بالوعد ولم يسمح لبني إسرائيل بالعودة مجددًا، فنزلت الضربة الخامسة بأنّ ماتت جميع مواشي قوم فرعون.

قصة سيدنا موسى.. ضربة الذباب من الضربات العشر

تلتها الضربة السادسة بأن انتشر الغبار في الأرض ما سبب بثورًا ودمامل في البشر والبهائم، ثم الضربة السابعة بأن نزل مطر وبرد عظيم في أرض مصر: “لم يكن مثله في كل أرض مصر، منذ أن صارت أمة”(الخروج 9: 24)، فتلف الزرع والمحصول لفرعون وعبيده، فطلب فرعون شفاعة موسى لرفع البَرد لقاء قبوله بإطلاق بني إسرائيل، فقبل موسى ورفعت الضربات، غير أن فرعون سمح للرجال فقط بالخروج، أما النساء والأطفال اشترط بقائهم في أعمالهم، فحلّت الضربة الثامنة بأن غزت أسراب الجراد أرض مصر، وأتلفت مخزونها.

وبانتهاء ضربة البرد، تلتها الضربة التاسعة بأنّ عمّ الظلام الدامس أرض مصر لثلاثة أيام، وأخيرًا حلّت الضربة العاشرة والأخيرة، والتي أنهت عناد فرعون، فكانت موت أبكار قوم فرعون من ابنه البكر حتى بكر أصغر عبيده؛ فكان أن أطلق فرعون بني إسرائيل مع نسائهم وأطفالهم ومواشيهم، إطلاقًا تامًا ونهائيًا، وهو اليوم الذي يحتفل فيه اليهود بعيد الفصح، والذي يعني حرفيًا العبور.

تذكر التوراة أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر 430 سنة، وتعد ليلة الخروج أقدس الأعياد لدى اليهود، حيث جاء في (الخروج 12: 42): “هذه الليلة هي للرب. تحفظ من جميع بني إسرائيل في أجيالهم”.

عبور موسى البحر ببني إسرائيل

في قصة سيدنا موسى، بعد خروج بني إسرائيل من مصر، عبر موسى عليه السلام الدلتا ثم نحو الجنوب، وتذكر التوراة في أرقام مبالغ فيها خروج نحو 600,000 عبري للبرية، يقود سيرهم ملاك من الله في شكل عمود من سحاب، فلحقهم فرعون وجيشه، مما أثار خوف وهلع بني إسرائيل السائر في البرية، خصوصًا بعدما وجدوا البحر من أمامهم وجيش فرعون من خلفهم.

قصة سيدنا موسى.. انشقاق البحر وعبور موسى وبني إسرائيل

غير أن الله أمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه، حيث جاء في (الخروج 14: 27- 31): “فَمَدَّ مُوسَى يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ فَرَجَعَ الْبَحْرُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ إِلَى حَالِهِ الدَّائِمَةِ، وَالْمِصْرِيُّونَ هَارِبُونَ إِلَى لِقَائِهِ. فَدَفَعَ الرَّبُّ الْمِصْرِيِّينَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَرَجَعَ الْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ الَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي الْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ. فَخَلَّصَ الرَّبُّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ الْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَرَأَى إِسْرَائِيلُ الْفِعْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ بِالْمِصْرِيِّينَ، فَخَافَ الشَّعْبُ الرَّبَّ وَآمَنُوا بِالرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى.”.

قصة سيدنا موسى.. غرق فرعون

وبهذه المعجزة رنم موسى وبني إسرائيل ترنيمة الانتصار، والتي تعرف بـ “تسبيحة موسى” والمذكورة في الإصحاح الخامس عشر من سفر الخروج.

بعد عبور البحر، واجه بني إسرائيل في صحراء سيناء مشاكل عديدة، إلا أن التدخل الإلهي عن طريق النبي موسى كان كفيلاً بحلها؛ فمشكلة الطعام حُلت بالمن والسلوى الذي كان يمطر من السماء في الصباح ويذوب في وقت الظهر، وأما الماء فقد حلت مشكلته بتفجير عيون وينابيع للماء العذب على الطريق.

 كما وقعت أيضًا معارك بين قوم موسى وعدد من القبائل في طريق الخروج، أشهر تلك القبائل هي العماليق، وقد قاد جيش بني إسرائيل فيها يشوع بن نون خليفة موسى المقبل، وكان الله قد أمر موسى أن يقف على رأس تلة وبيده العصا التي فلق بها البحر، فطالما كانت يده مرفوعة تقدّم بنو إسرائيل، وكلما أخفض موسى يده تقدمّ العماليق، حيث تذكر التوراة في (الخروج 17: 12): “فَلَمَّا صَارَتْ يَدَا مُوسَى ثَقِيلَتَيْنِ، أَخَذَا حَجَرًا وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَدَعَمَ هَارُونُ وَحُورُ يَدَيْهِ، الْوَاحِدُ مِنْ هُنَا وَالآخَرُ مِنْ هُنَاكَ. فَكَانَتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.”.

بعد ثلاثة أشهر من الارتحال في سيناء، وصل بنو إسرائيل إلى جبل حوريب، وهناك قابل موسى حميه يثرون مرة أخرى، وبإيعاز من يثرون ظهر التقسيم القضائي للمرة الأولى في بني إسرائيل، إذ كان موسى يقضي نهاره باستقبال بني إسرائيل (الخروج 18: 16): “إِذَا كَانَ لَهُمْ دَعْوَى يَأْتُونَ إِلَيَّ فَأَقْضِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَصَاحِبِهِ، وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ اللهِ وَشَرَائِعَهُ».”، غير أن كثرة عدد القضايا وتعب موسى، دفع لتقسيم الشعب ووضع رؤساء لكل خمسين، يليهم رؤساء مئات، ثم رؤساء ألوف يقضون للشعب حسب تعاليم موسى، أما القضايا الكبرى وحدها كانت ترجع إلى النبي موسى للفصل فيها.

تلقي موسى الوحي “الألواح” في طور سيناء

في جبل حوريب نفسه حيث تكلّم الله من نار العليقة، وفي أجواء احتفالية، تلقى موسى الوحي على الألواح، والتي نقش عليها موسى عليه السلام الوصايا العشر.

بينما كان بني إسرائيل خارج الجبل يرقبون الضباب محيطًا به وأصوات الرعد. حسب الرواية التوراتية، فإنّ الله قد أمر بني إسرائيل بأن يتطهروا ويغسلوا ثيابهم ويمتنعوا عن قرب النساء ليومين.

وفي اليوم الثالث على طور سيناء يتم النزول. كما شملت التعليمات الإلهية لموسى أيضًا وضع حدود على سفح الجبل، وعدم صعود أي أحد خلال تلقي الألواح، وإلا رجم سواءً كان من البشر أم من الحيوانات، كما جاء في (الخروج 19: 13)، وفي الموعد “صار رعد وبرق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق”، بل إن الجبل نفسه ارتجف،  فصعد موسى وحده، وعلى الجبل كان “موسى يتكلم والله يجيبه بصوت”، ومن هنا استحقّ موسى لقب “كليم الله” في الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام.

قصة سيدنا موسى.. تلقي ألواح الشريعة على جبل طور سيناء

بعد أن نزل موسى من الجبل أخبر الشعب بوصايا الرب، فأبدى الشعب طاعته وخضوعه، وفي اليوم التالي قدّم موسى اثني عشر ذبيحة نيابة عن كل سبط من الأسباط ثورًا صحيحًا، ثم اصطحب معه هارون والشيوخ السبعين المعاونين له إلى الجبل، وفي اليوم الثالث انفرد موسى بالجبل الذي غطاه الغمام مجددًا، ومكث به أربعين نهارًا وأربعين ليلة، حتى استلم اللوحين منقوشين جاهزين محتوين على الوصايا العشر، واللذان يمثلان أركان العقيدة في التراث اليهودي والمسيحي، والمتضمنتان الآن في سفر الخروج، 20 وسفر التثنية، 5.

بيد أن المدة الطويلة التي قضاها موسى على الجبل، قد جعلت الشعب ينقلب عليه، بل ظن البعض أنه مات أو هرب، فصنعوا عجلاً من الذهب وعبدوه وقدموا له الذبائح، وحين علم موسى بالأمر تضرّع إلى الرب كي “لا يفني شعب إسرائيل من وجه الأرض”، وذكره بشفاعة إبراهيم واسحاق ويعقوب، فردّ الله قضاءه.

ثم حطم موسى اللوحين الأولين غضبًا من تصرف بني إسرائيل، ثم أحرق عجل الذهب وطحنه وذره على وجه الماء وسقا الماء بني إسرائيل كعقوبة، ثم أمر بقتل من ذبح للعجل من بني لاوي- أي الكهنة – فقتل ثلاثة آلاف رجل، بينما أعلن بنو إسرائيل توبتهم و”ناحوا من الندم”، فغفر الرب لهم، ثم قدّم لوحين شبيهين باللوحين الذين دمرهما موسى بعد صيام أربعين نهارًا وليلة جديدين.

ووضع موسى لما نزل من الجبل على وجهه برقعًا من شدة وضوئه، وأمر بإعداد خيمة الاجتماع، ونحت صندوق ذهبي سُمي “تابوت العهد” حفظ بداخله ألواح الشريعة، ووضع التابوت في خيمة الاجتماع، وكذلك أمر بإحصاء عدد الأسباط بحسب ما يبدأ به السفر الرابع من أسفار التوارة المسمى بسفر العدد.

قصة سيدنا موسى.. جبل حوريب والمعروف بجبل موسى أو جبل سيناء، وطور سيناء، أو جبل سين

تيه بني إسرائيل في سيناء بسبب خطايا بني إسرائيل

لم تكن عبادة العجل خطيئة بني إسرائيل الوحيدة، فإن ناداب وأبيهود على سبيل المثال بخرّا “بنار غريبة” دنسة فاحترقا بها وماتا، وأما قورح وداتان وأبيرام من سبط لاوي قاوموا رغبة موسى وهارون وبخرّوا لآلهة غريبة فانشقت الأرض وابتلعتهم مع من تبعهم وهم مائتين وخمسين رجلاً.

كذلك تذمر بني إسرائيل من صنف الطعام الواحد (سفر العدد 11: 5): “قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ. وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ!”.

 ورغم أن الرّب قد منحهم لحمًا في صحراء سيناء استجابة لطلبهم، غير أن التوراة تعتبر أن الشعب “اشتكى شرًا”.

 كما أن قسمًا من الشعب اشتكى زواج موسى بكوشية – أي أثيوبية – ومن بينهم مريم أخته، كما وقع بنو إسرائيل في خطأ آخر بأن ناحوا وصرخوا وبكوا وتذمروا على موسى وعلى هارون بعد أن عاد جواسيس أوفدهم موسى بأمر إلهي لاستطلاع أحوال أرض كنعان الموعودة، فوجدوها قوية حصينة، فخاف بنو إسرائيل على أنفسهم وقالوا (العدد 14: 3): “وَلِمَاذَا أَتَى بِنَا الرَّبُّ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ لِنَسْقُطَ بِالسَّيْفِ؟ تَصِيرُ نِسَاؤُنَا وَأَطْفَالُنَا غَنِيمَةً. أَلَيْسَ خَيْرًا لَنَا أَنْ نَرْجعَ إِلَى مِصْرَ؟»”.

بل إن بعضهم اقترح أن يُخلع موسى من قيادة الشعب، ويقام رئيس جديد للجماعة يعيدهم إلى مصر، وحاول قسم آخر أن يرجموا موسى وهارون ويقتلوهما، وهو ما ردّ عليه الله في التوراة (العدد 14: 11): “وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «حَتَّى مَتَى يُهِينُنِي هذَا الشَّعْبُ؟ وَحَتَّى مَتَى لاَ يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُ فِي وَسَطِهِمْ؟؟”، غير أن موسى مجددًا طلب الصفح واستغفر لهم، وكفّر عن خطايا بني إسرائيل.

وحين بلغ بني إسرائيل برية سين إلى الجنوب من البحر الميت نواحي صحراء النقب، توفيت مريم أخت موسى ودُفنت هناك، كما حلت مصيبة ثانية ببني إسرائيل وهي قحط البرية، وهنا تذمر بني إسرائيل مرة أخرى حيث جاء في (العدد 20: 5): “وَلِمَاذَا أَصْعَدْتُمَانَا مِنْ مِصْرَ لِتَأْتِيَا بِنَا إِلَى هذَا الْمَكَانِ الرَّدِيءِ؟ لَيْسَ هُوَ مَكَانَ زَرْعٍ وَتِينٍ وَكَرْمٍ وَرُمَّانٍ، وَلاَ فِيهِ مَاءٌ لِلشُّرْبِ!»، فكان أن أمر الله موسى عليه السلام بأن يأمر إحدى الصخور بأن تخرج ماء، وبالفعل ضرب موسى الصخرة بعصاه التي فلق بها البحر فنزل الماء.

وفاة هارون

في جبل هور على تخوم أرض آدوم توفي هارون، وبكى جميع بني إسرائيل عليه، وخلفه ابنه أليعازر، وبعد أن تابعوا سيرهم، تذمروا مجددًا على موسى، فنزل عقاب إلهي بأن تسلطت على الشعب أفاعي سامة فمات كثيرون، وكالعادة طلبوا الغفران، وقبل الله توبتهم وأمر بأن يصنع موسى حيّة نحاسية ويرفعها على راية، كما جاء في (العدد 21: 9): ” فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا.”.

 ثم اتجه بنو إسرائيل بعد ذلك إلى الشمال، نحو موآب – شرقي نهر الأردن- فحاول بالاق بن صفور ملك موآب مضايقتهم، وكان في تلك الأصقاع نيي آخر لله هو بلعام بن بور. وخلال استقرار بني إسرائيل في تلك النواحي تزاوجوا مع الموآبيات، وأكلوا من ذبائح آلهتهم، بل وسجدوا لبعل فغور إلههم، فاجتاح الوباء الذي قتل أربعًا وعشرين ألفًا من بني إسرائيل عقابًا، كما أمر موسى بقتل كل من “تعلّق قلبه” ببعل فغور.

بعد توبة بني إسرائيل، حققوا انتصارًا على المديانيين، حيث سبوا فيه كثيرًا من الجواري، وحصلوا على غنائم وافرة، وبلغوا نهر الأردن، لاسيّما بعد أن انتصروا على سيحون ملك الأموريين الساكن في حشبون.

وبكل الأحوال، فإن كثرة خطايا بني إسرائيل منذ أن عبروا سيناء، ومخالفتهم أوامر الله أوجبت عليهم التيه في صحراء سيناء، أي البقاء في حالة البداوة غير المستقرة في صحراء الأردن، ما وراء النهر لمدة أربعين سنة كاملة من الخروج من مصر، مات فيها جميع العبرانيين الذين خرجوا من مصر عدا يشوع بن نون وكالب بن يفنة، وهما من قادا أولاد الجيل الأول الذي كتب عليهم الموت في البرية إلى الأرض الموعودة، وهو ما ترويه لاحقًا أسفار أخرى مثل سفر يشوع.

وفاة موسى عليه السلام

تنتهي قصة سيدنا موسى، وكما تذكر المصادر الدينية اليهودية بأن جسد موسى عليه السلام قد نُقل إلى السماء على يد ملائكة إكرامًا له بعد وفاته، كي لا يعتري جسده الفساد.

توفى موسى عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين، “وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ” وفقُا لما جاء في (التثنية 34: 7)، ويقسم عمر موسى إلى ثلاث فترات أربعينية، الأربعين الأولى في مصر، والثانية في مدين، والثالثة في قيادة خروج بني إسرائيل من مصر

تذكر التوراة أن الله قد أخبر موسى عليه السلام بأن دخول أرض كنعان سوف يتم بقيادة يشوع بن نون لا بقيادته، ثم أخبره بأن أيامه قد اقتربت من الاكتمال، وأن أجله قد حان؛ فكتب موسى نسخة من التوراة حفظها في خيمة الاجتماع، ثم جمع بني إسرائيل وألقى عليهم خطبته الأخيرة، وكانت آخر وصاياه (التثنية 32: 46): “وَجِّهُوا قُلُوبَكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِهَا الْيَوْمَ، لِكَيْ تُوصُوا بِهَا أَوْلاَدَكُمْ، لِيَحْرِصُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ.”. 

ثم منح اثني عشر بركة لكل سبط من أسباط بني إسرائيل، وخصّ بركته الأخيرة لخليفته يشوع بن نون، وأمر بني إسرائيل بأن يطيعوه، ثم صعد منفردًا بأمر إلهي إلى جبل نبو مقابل أريحا حيث رأى جميع الأرض الموعودة “أرض كنعان”، ومات على رأس الجبل في أرض الأردن.

وبهذا تنتهي قصة سيدنا موسى كما وردت في سفر الخروج في التوراة، وإن كان ذكر موته ورد في سفر التثنية، وليس في سفر يشوع بن نون، الذي كان من المفترض أن يروي قصة موت موسى في السفر المذكور باسمه.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

الفرق الیھودیة القدیمة وتأثيرها في الواقع

الفرق الیھودیة القدیمة وتأثيرها في الواقع

الفرق الیھودیة القدیمة وتأثيرها في الواقع