أين الشاطيء؟!!

أين الشاطيء؟!!

أخيراً رأيتُ البحر..بعد سنين من البُعد..فها هى نسماته أستنشقها بفؤادى بعدما كنت أمارس السباحة فقط فى أحواض الاستحمام!!..فالبحرُ فى بلادنا كان مُحرمٌ على أمثالى من العوام!..فكان علينا نحن العوام أن نُمارس السباحة سراً!!..لأن حُكامنا من فرط خشيتهم علينا من الغرق كانوا يُعاقبون من ينزل البحر منا بالقتل!!..ولأن أبى يعلم أننى مُغرمٌ بالبحر، كان يختلس النظرات ليعلمنى السباحة فى أحد “الترع” المهجورة فى قريتنا!!..ليأتى اليوم الذى تتحسس فيه قدمى البحر الواسع، لأنطلق بلا قيد ولا وجهة نحو عرض البحر الدافئ!..فالحاكم لم يعد حاكماً..والبحرُ أصبح للجميع!!..

وسبحتُ باشتياق حتى توغلت دون إحساسٍ بزمانٍ أو مكان..وحين “هاج” البحر..وأردت أن أعود..نظرت خلفى..فلم أجد الشاطئ؟!!!..ووجدتُ البحر حولى يُحيطنى من كل جانب!!..فبحثتُ بعينى عن الشاطئ كالمجنون..وحين تيقنت أننى لا أعرف للشاطئ وجهة تذكرتُ كلماتٍ لوالدى حين علمنى: “لا تتعلم فقط السباحة..ولكن تعلم أيضاً كيف تستريح!!”..فاستلقيتُ على ظهرى مُستجمعاً شتات نفسى: “لا تخف..لم يبتعد الشاطئ كثيراً”..ثم قررت العودة مُتخذاً اتجاهاً عمودياً ظننته خلفى لأسبح ساعات فى اتجاه الشاطئٍ المفقود!!..وحين لم أجده..توقفت..وقد ارتعشتُ أنفاسى: “أين الشاطئ؟!!”..”حسناً..سأتخذُ اتجاهاً “يمينياً” ..وسبحتُ فى اتجاهه حتى “ضللت”!!..فتوقفت..لا مناص..لا يبقى لى إلا “اليسار”..فسبحتُ ساعاتٍ أخرى ولم أجد شاطئاً!!..

للمزيد إقرأ أيضًا:

فتوقفت..لأرى “سقوط” الشمس على مرمى البصر!!..فدمعت عيناى لفراقها “الوشيك”!!..فقررت أخيراً استعمال عقلى!!..أنه الغروب!!..إذاً..فالشرق فى الاتجاه العكسى!!..صحيح..فحاولت أن أُحدد اتجاه بلدتى وسبحت حيث دلنى عقلى فما اهتديت!! حتى تيقنتُ أننى هالك لا محالة..فلا شمس..ولا شاطئ..وقد أعيانى التعب و”الجوع”..وتملكنى الخوف..فأنا وإن كنتُ حياً إلا أننى فى عداد الأموات شئتُ أم أبيت!!..إذا فالحل هو الموت!!..أموت لأستريح من هذا العذاب!!..فحاولتُ ترك نفسى لتغرق فأبت!!..أيا نفسى التى بين جنبى!!..أما زلت تُريدين الحياة!!..لا..لا أريدُ الحياة..ولكن أريدُ النجاة!!”..وإن كان لابد من الموت فعله لا يكون فى أعماق هذا البحر المُظلم مُتلاطم الأمواج!!..

يارب يا مُغيث..يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء..وتذكرت قوله تعالى : “قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ** قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ”..يارب نجنى..من لى سواك..ولا حول ولا قوة إلا بك..

ووسط دموعٍ أشعرتنى بالراحة..تيقنت أننى ناجٍ وأن الله لن يُضيعنى!!..ووسط الظلام الدامس إذا بسفينةٍ بددت لى أنوارها!!..ولكنها بعيدةٌ عنى..فاستجمعت ما تبقى لى من قوة..وصرختُ مستغيثاً..ولكن السفينة مرت فى طريقها..كأن أحداً لم يسمعنى!!..فلم أفقد الأمل..لأننى أعلمُ أن الله لن يُضيعنى..لتمر ساعة وأنا لله مُسبحاً..ومُستغفراً.. حتى بدا لى قارباً علمتُ بعد ذلك أنهم “حرس السواحل”..وقد أرسل لهم طاقم السفينة التى مرت بجوارى رسالة استغاثة حددوا فيها مكانى..ولما اقترب منى القارب..نظر إلى قائد الحرس باندهاش قبل أن يمد إلى يده!!..وابتسم ابتسامة خفيفةٍ قائلاً: “لا تُحاول اقناعى إنك أبوهيف!!..إنت عارف إنت فين؟!!!”..”إنت على بعد 12 ميل خارج المياه الاقليمية!!!!).

(مستوحاة من قصة حقيقية!!)

بقلم الكاتب والباحث الاقتصادي

د. علي زين العابدين قاسم

عن علي ذين العابدين

د/ علي زين العابدين قاسم حاصل علي الدكتوراة في الاقتصاد الزراعي، وله العديد من الدراسات في مجالات إدارة الجودة، والتنمية الزراعية.. له كتاب بعنوان "الجودة تكاليف وعوائد".

شاهد أيضاً

تحقق مفهوم “دولة اسرائيل الكبرى” في العصر الحديث

تحقق مفهوم "إسرائيل الكبرى" في العصر الحديث