ما هو التلمود عند اليهود؟ أهمية التلمود عند اليهود

ما هو التلمود – أهمية التلمود عند اليهود – ما هو التلمود عند اليهود – معنى كلمة التلمود- مباحث التلمود وأقسامه.

ما هو التلمود عند اليهود؟ أهمية التلمود عند اليهود
ما هو التلمود عند اليهود؟ أهمية التلمود عند اليهود

ما هو التلمود عند اليهود؟ أهمية التلمود عند اليهود

ما هو التلمود عند اليهود؟ تظهر أهمية التلمود عند اليهود من خلال تأثيره الكبير على الجماعات اليهودية، التي كان معظمها يمارس أحكام التلمود منذ القرن التاسع حتى نهاية القرن الثامن عشر، واستمرت حتى يومنا هذا من خلال اليهودية الأرثوذكسية، التي تمثل التعبير المعاصر لليهودية التقليدية الربانية، التي ترتكز على التلمود في بناء تصوراتها وسلوكها، ويمثل هؤلاء أغلبية يهود العالم، ويهود إسرائيل.

ما الفرق بين التوراة والتلمود؟

يعتقد اليهود أن الله أوحى إلى موسى شريعتين: الشريعة المكتوبة (التوراة)، والشريعة الشفوية (المشنا)، وهي متن التلمود. والمشنا وشروحاتها (الجمارا) التي كتبها علماء اليهود في العراق وفلسطين كانت هي المكون الأساسي لليهودية التاريخية، التي امتزجت فيها التعاليم الدينية النظرية بالحياة العملية للجماعات اليهودية، وقد تجاوز أثره المعتقدات والطقوس الدينية، إلى بناء الهوية القومية، وصياغة الانفصالية العرقية للشخصية اليهودية.

أهمية دراسة التلمود عند اليهود| ما هو التلمود عند اليهود؟

ما هو التلمود عند اليهود؟ وتؤكد نصوص التلمود على أهمية دراسة التلمود، ومن هذه النصوص “أولئك الذين يكرسون أنفسهم لقراءة الكتاب المقدس، يؤدون فضيلة لا ريب فيها، لكنها ليست كبيرة، وأولئك الذين يدرسون المشنا، يؤدون فضيلة، سينالون المكافأة عليها، لكن أولئك الذين يأخذون على عاتقهم دراسة الجمارا، يؤدون فضيلة سامية جدًا”.

وجاء في موضع آخر: “الذي يخالف أوامر الكتبة، يرتكب خطيئة أكثر مما لو خالف أوامر القانون”. وفي موضع آخر: “يجب على كل شخص يهودي أن يقسم الدراسة إلى ثلاث حصص، يكرس الثلث الأول لدراسة القانون المكتوب (التوراة)، والثلث الثاني لدراسة المشنا، والثلث الأخير لدراسة الجمارا”.

ويقول ل. جينزبرج: “أعطى التلمود لليهودي جنة روحية خالدة، يلجأ إليها كيفما شاء، هاربًا من العالم الخارجي بكل ما فيه من حقد ومظالم، وعلى صفحات التلمود وجدت أجيال اليهود المتعاقبة إشباعًا لأعمق أمانيها الدينية، وكذلك وجد اليهود في التلمود نافذتهم لأسمى استلهاماتهم الفكرية، ورغم أن العالم قد انقطع عن قرون الماضية، فإن التلمود لا يزال- بعد التوراة– القوة الروحية والأخلاقية المثمرة في الحياة اليهودية.

لماذا يفضل اليهود التلمود على التوراة؟ ما هي مكانة التلمود عند اليهود؟

يعد التلمود مصدر التشريع لمجمل السلوك لدى اليهودية الأرثوذكسية (الحاخامية)، والأساس المقرر لبيتها التشريعية، وإذا توخينا الدقة فهو ما يدعي بالتلمود البابلي، لأن الأدب التلمودي بما فيه التلمود المقدسي أو الفلسطيني (الأورشليمي) إنما هو تشريعات تكميلية.

ما هو التلمود عند اليهود؟ أهمية دراسة التلمود

ما هو التلمود عند اليهود؟ تأتي أهمية دراسة التلمود من أنه يعد التفسير الصحيح والشرعي للنصوص التوراتية عند اليهود الأرثوذكس، وهذا يعني أن أي تفسير للتوراة يخالف ما جاء في التلمود لا يمكن أن يكون صحيحًا وفق هذه النظرة، فالتلمود يفرض سلطته على النص التوراتي، ويجعله تابعًا له عمليًا، فالتلمود يحكم على التوراة ولا تحكم التوراة على التلمود، وإذا حدث وقدم التلمود تفسيرًا مخالفًا لنصوص التوراة، فإنه يعمل به ويقدم على كل معنى آخر ممثل لذلك النص.

لا يقتصر أثر التلمود في الواقع اليهودي على الاتجاهات الدينية الحزبية أو غير الحزبية، وإنما يتعدى ذلك ليشمل البنية الفكرية والأيديولوجية للعديد من الاتجاهات والقوى السياسية في إسرائيل وخارجها، بل إن أثر التلمود قد ترسب في اللاوعي اليهودي، حتى عند العديد من العلمانيين واليساريين اليهود، وأصبح بمثابة قانون شفوي وسلوك عفوي في المجتمع الإسرائيلي.

يتجازو أثر التلمود المعتقدات الدينية الغيبية والطقوس الدينية لليهود، ليشتمل إلى جانب ذلك الهوية القومية والمنطلقات السياسية والمرتكزات الثقافية التي تشكل العقل اليهودي.

ما هو التلمود عند اليهود؟ إن أثر التلمود في الفكر والشخصية اليهودية ينبع من إنه المكون الأساسي لليهودية التاريخية، التي امتزجت فيها التعاليم الدينية النظرية بالحياة العملية.

وتؤكد زيادة تأثير اليهود المتدينين في إسرائيل على تنامي التأثير الديني المرتكز على الفكر التلمودي في الواقع الإسرائيلي، وهذا هو مدى أهمية دراسة التلمود لفهم المجتمع الإسرائيلي المعاصر.

ويعتقد اليهود الأرثوذكس أنه ليس هناك ما هو أسمى مقامًا من التلمود المقدس، ويستدلون بما جاء في التلمود: “قال (الحكماء) تم مقارنة (تشبيه) الكتاب المقدس بالماء، التلمود بالنبيذ، والمشنا بالخمر المبتل. العالم لا يمكن أن يوجد بلا ماء، لا يوجد دون نبيذ، ولا يمكنه الوجود بدون خمر مبتل، ولكن الرجل الغني يتمتع بثلاثتهم، كذلك أيضًا من المستحيل للعالم أن يوجد من غير كتاب مقدس ومن دون تلمود ومشنا.. التوراة قورنت أيضًا بالملح، التلمود بالفلفل، والمشنا بالبهارات، لا يقدر العالم أن يوجد دون ملح وفلفل وبهارات، ولكن الرجل الغني يتمتع بثلاثتهم، كذلك أيضًا من المستحيل للعالم أن يوجد من دون الكتاب المقدس والتلمود والمشنا.

ويقول إسرائيل أبراهامز: “إن الإنسان لا يعيش بالخبز فقط، والخبز هو التوراة، بل يلزمه شيء آخر، وهو أقوال الله كقواعد وحكايات التلمود، وقد أسهم التلمود بقوة في حفظ اليهودية واليهود، فاليهودي بقى بسبب التلمود، كما بقي التلمود في اليهودي“.

ويقول الحاخام روسكي: “إلتفت يا بني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى“.

يقول الحبر ليفي بن حاما أيضًا باسم الحبر شمعون بن لاخش في معنى الفقرة: “فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم”، لوحا الحجارة هما الوصايا العشر، أما الشريعة فهي التوراة (الأسفار الخمسة الأولى)، والوصية هي المشنا، أما التي كتبتها فتعني أسفار الأنبياء والكتابات، والمقصود بـ (لتعليمهم) فهو الجمارا، وهذا يعلمنا بأن كل هذه الأشياء قد أعطيت لموسى في سيناء.

ويقول مردخاي رابينو فيتز عن التلمود: “هو التعبير عن النظرة اليهودية الاملة إلى العالم في امتدادها عبر ألف سنة من الزمان، محتوياته متعددة الجوانب كالحياة نفسها، ولا يوجد شيء في السماء ولا في الأرض مما جال في خاطر الناس في ذلك الزمن إلا وذكرته صفحات التلمود.

ما هو التلمود عند اليهود؟ فالتلمود كان وما يزال مصدرًا ومنطلقًا ومكونًا صاغ من خلاله الفكر اليهودي نظرته لله والكون والإنسان، وامتزجت فيه السياسة بالأخلاق، والديني بالدنيوي، والمخيلة الشعرية بمتطلبات الواقع العملي.

فالتلمود هو مجموعة القواعد والوصايا والشرائع الدينية والأدبية والمدنية والشروح والتفاسير التي تعبر عن النظرة اليهودية إلى العالم طيلة ألف سنة من الزمان.

ما هو التلمود عند اليهود؟ معناه وتكوينه

ما هو التلمود عند اليهود؟ التلمود في اللغة والاصطلاح

تعني لفظة تلمود في اللغة العبرية תלמוד “تعليم”، وهي صيغة اسم مشتق من الفعل לָמַד بمعني “تعلم”. وتدل الكلمة “تلمود على التعلم والدراسة والتدريس المرتبط بنصوص الكتاب المقدس، وما يتعلق بها من تفسيرات واستنباطات من تلك النصوص، ثم هي مجموعة الأحكام الشرعية والقوانين المحددة لسلوك اليهودي وقيمه وأخلاقه.

ويطلق على التلمود التوراة الشفوية “توراة شبيعل بيه תורה שבעל פה”. أما التوراة المكتوبة (التوراة) فتدعى التوراة المكتوبة “توراة شبيختاف תורה שבכתב”.

وتعرف دائرة المعارف اليهودية العامة التلمود بأنه الكتاب العقدي الذي يتضمن معارف اليهود ويشمل تعاليمهم، ويحوي سائر مناحي الحياة الإنسانية، وهو جزء من القانون اليهودي المعترف به، وغير الوارد في التوراة المكتوبة، وهو شئوون وتدابير خاصة باليهود واليهودية، طرحت وصيغت بحرفية، وهو قضية تمتد من العقيدة إلى اللاهوت وإلى تاريخ أحكام قضائية وإلى قوانين تتناول مقتضيات ومتطلبات ومجريات الحياة وفلسفتها، بدءًا بشروط زراعة الأرض، وانتهاء بمواصفات المسيح المنتظر.

ويعتقد اليهود أن موسى قد تلقى من الله التوراة الشفوية إلى جانب الوراة المكتوبة، ويقولون إن موسى قد نقل هذه التوراة الشفوية إلى شيوخ إسرائيل السبعين.

وقد جاء في التلمود: “لقد استلم موسى الشريعة في سيناء، فشرحها يوشع، ثم من يوشع إلى الكبار، ومن الكبار إلى الأنبياء، ثم ألزمها الأنبياء إلى رجال الكنيس”.

ثم نقلها هؤلاء الرجال إلى من بعدهم، حتى بدأ علماء اليهود بجمع هذه المرويات الشفوية منذ أيام العالم اليهودي “هليل” قبيل ميلاد المسيح عليه السلام، ثم أسهم كل من الرابي عقيبا، وبعده الرابي “مائير” في إتمام جميع المرويات الشفوية، لكنها لم تكتمل وتدون إلا في القرن الثاني للميلاد على يد الرابي يهودا هناسي، الذي قام بتدقيق هذه المرويات وأخرج منها ما يعتقد أنه ليس منها (البرايتا).

وربما يعود سبب تأخر كتابة المشنا إلى هذا الزمن إلى نهي بعض المرويات الشفوية: “من الأمور التي تروى مشافهة ليس لك الحق في إثباتها بالكتابة”، لكن السبب الأكثر إقناعًا هو خشية اليهود من ضياع هذه المرويات ورغبتهم في حفظها.

ماذا يوجد في التلمود؟

وينقسم التلمود إلى قسمين هما المشنا وهي متن التلمود، والجمارا وتشمل التفسيرات والشروح:

1- المشنا

هي كلمة عبرية مشتقة من الفعل العبري שָׁנָה بمعنى “كرر”، ولكن بتأثير من اللغة الآرامية صار معناها “درس”، ثم أصبحت الكلمة تشير بشكل محدد إلى دراسة الشريعة الشفوية، وحفظها وتكرارها وتلخيصها.

والمشنا عبارة عن مجموعة كبيرة من الشروح والتفاسير التي تتناول أسفار التناخ (المقرا)، وتتضمن مجموعة من الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشنا (التنائيم) على مدار ستة أجيال.

وتعد المشنا المصدر الثاني من مصادر التشريع اليهودي بعد التناخ (التوراة وأسفار الأنبياء والمكتوبات) التي يطلق عليها (المقرا) لكونها الشريعة المكتوبة التي تُقرأ، أما المشنا فهي الشريعة الشفوية التي يتناقلها علماء اليهود مشافهة، وهي التثنية الشفوية التي تكرر شريعة موسى المكتوبة وتوضحها وتفسرها.

تدوين المشنا

نتيجة لتراكم المرويات الشفوية والخوف من ضياعها وصعوبة حفظها عن ظهر قلب، بذل العلماء اليهود جهودًا كبيرة لحفظ المرويات الشفوية للمشنا، بدأت هذه الجهود مع الرابي (هليل) رئيس المجلس الديني الأعلى (السنهدرين) في أيام هيرودوس الذي ولد المسيح في عهده، وهليل هو الذي خطط تقسيم المرويات الشفوية إلى أقسامها الستة المعروفة، ثم جاء بعده الرابي عقيبا بن يوسف الذي نظم بعض التفاصيل الجزئية داخل هذه الأقسام، وجاء بعده الرابي (مائير) فأكمل نصوص المشنا وأضاف إليها بعض الأحكام، أما الذي قيدها كتابة في صورتها النهائية، فهو الرابي (يهودا هناسي) نهاية القرن الثاني للميلاد.

ولم يكن عمل يهودا هناسي مجرد تبويب وتنظيم، وإنما كان إتمام لجميع المرويات الشفوية “إن الأمور التي تورى شفاهة ليس لك الحق في إثباتها بالكتابة”، وممن قال بهذا الرأي من القدماء الجاؤون شريرا، والرابي راشي، ومن المحدثين لوتساتو، ورابو بورت، وبوست، وجريتس، وليوبولد لويف، وغيرهم. ولكن الرأي المعتمد عمومًا هو أن يهود قد كتب المشنا بأكملها. وممن قال بهذا الرأي من القدماء شموئيل هناجيد، والربي نسيم، وإبراهيم بن داود، وموسى بن ميمون، ومن المحدثين جايجر، وفرانكل، وليبرخت، وفايس وغيرهم.

كُتبت المشنا بلغة عبرية متطورة نسبيًا عن لغة العهد القديم، وهي اللغة التي يطلق عليها اليهود (لغة الحكماء)، وهي اللغة العبرية التي تحتوي على كلمات يونانية ولاتينية وعلى صيغ لغوية يظهر فيها تأثر عميق بقواعد الآرامية ومفرداتها، وتسمى “عبرية المشنا”.

ملحقات المشنا

وهي نصوص متصلة بالمشنا وليست منها، يذكرها التلمود ويلجأ لها علماء الشريعة اليهودية كثيرًا، وهي:

1- التوسيفتا: ومعناها التذييل أو الزيادة أو الإضافة، وهي عمل تشريعي ملحق بالمشنا ومكمل لها، وتحتوي على ستين فصلاً تتضمن أربعمائة واثنين وخمسين فقرة، ويعزى كثير منها إلى أحبار اليهود الأولين المعاصرين للمشنا، مثل عقيبا ومائير ونحميا، كما توجد فيها نصوص ترجع إلى ما بعد الرابي يهودا هناسي حتى عصور كتابة التلمود، ويبدو أنها في شكلها الحالي ترجع إلى القرن الخامس أو السادس الميلادي.

2- المخيلتا: وهي كلمة آرامية معناها (المعيار)، أو (المكيال)، أو (الوعاء)، وتتضمن تسعة أبواب، تعالج فيها أحكام شرعية موجودة في نص الكتاب المقدس، وتنسب إلى الرابي إسماعيل ومدرسته، وكانت قد جمعت في فلسطين ثم نقلت إلى العراق (بابل)، حيث تنوعت تفاسيرها هناك، وهي بشكلها الذي نعرفه ترجع إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي.

3- السفرا: هي نص يسمى أيضًا (توراة الكهنة)، وأسلوبه يختلف عن سابقيه بما يسوده من الجدل، ويرد ذكره كثيرًا في التلمود، وهو ينسب في الأغلب إلى الرابي يهود بن إيلاي، أحد تلاميذ عقيبا، ولكن دخلته إضافات مع مضي الزمن من علماء آخرين أشهرهم (أبا أريكا).

4- سفري: وهو كتاب فقهي يتناول شرح سفر العدد ابتداء من إصحاحه الخامس وكل سفر التثنية، ففيما يتصل بالقسم الأول يحتوي على مائة وواحد وستين حكما، وفي الثاني ثلاثمائة وسبعة وخمسين حكمًا، ويقول التلمود إن الأجزاء غير المسندة إلى عالم معروف باسمه في هذا الكتاب مروية عن الرابي شمعون بن يوحاي أحد كبار تلاميذ عقيبا.

5- البرايتا: ومعناها الكتاب البراني أو الخارجي، وهو يجمع شرائع في عهد التلمود، ويبدو أن بعضها كان يوى من ضمن المشنا، ولكن الحبر يهودا هناسي رفضه، فجمع ما بقي منه في هذا الكتاب.

ثانيًا الجمارا:

أطلق الاسم (جمارا) أي التكملة على الشروحات التي انطلقت بعد تدوين المشنا على يد يهودا هناسي، وقام بها العلماء اليهود في العراق في ثلاثة مراكز: نهر دعة، وبلدة سورة، ومدينة عانة. وفي فلسطين في ثلاثة مراكز: طبرية، وقيسارية، وصفورية. وقد اشتملت هذه الشروحات على أحكام وفتاوى وحكايات وأساطير وخرافات.

وقد أطلق على الشروحات التي تمت في العراق اسم التلمود البابلي، وهو شرح واسع لنصوص المشنا، يتجاوز التلمود الأورشليمي الذي اقتصر على شرح بعض أبواب المشنا وجاء غامضًا ومختصرًا، ولعل الظروف السياسية والأمنية التي حظي بها اليهود في العراق هي التي جعلتهم أوفر حظًا من اليهود في فلسطين، ومكنتهم من إنجاز هذا العمل الذي امتد إلى ما يقارب من ثلاثمائة عام، ما بين 219- 500م، أما في فلسطين فكان ما بين أعوام 219- 359م.

إذن فالتلمود بشقيه المشنا والجمارا هو عمل كبير للعديد من العلماء اليهود خلال فترة تقارب 700 سنة (200- 500م)، وعلى هذا الأساس فقد تأثر بمؤثرات ثقافية ودينية مختلفة، خاصة بالثقافة اليونانية والرومانية، كما أن البحث في الأصول التشريعية والأسطورية للروايات التي جاءت في التلمود يشير إلى مؤثرات بابلية وفارسية ومصرية.

الفرق بين التلمود البابلي والتلمود الأورشليمي

أولاً: التلمود الأورشليمي (الفلسطيني)

ما هو التلمود عند اليهود؟ وهو الشروحات التي قام بها علماء اليهود في فلسطين في طبرية وقيساري وصفورية، وكان على رأسهم الحاخام يوحنان بن زكاي، وقد تمت تلك الشروحات في الفترة الواقعة من (219- 259م).

جاءت تسمية التلمود الفلسطيني نسبة إلى فلسطين، وأطلق عليه يهود العراق تسمية “تلمود أرض إسرائيل) و “التلمود الأورشليمي” و “تلمود الفريسيين” أو “تلمود بني معرافا- تلمود أهل الغرب” نظرًا لوقوع فلسطين إلى الغرب من العراق.

يعود القسم الأقدم من التلمود الفلسطيني إلى منتصف القرن الرابع الميلادي، الذي لا يحتوي إلا على المقالات الثلاث الأولى من الكتاب الرابع للمشنا “نيزكين- الأضرار”، وكان ذلك في قيسارية، ثم دون القسم الأكبر منه في طبرية بعد خمسين عامًا تقريبًا، وربما كان الهدف من كتابته الربيين (الحكماء والقضاة) لا الطلبة، وكان على رأس المدونين الحاخام يوحنان بن ناياها (180- 279م)، وهو تلميذ الرابي يهودا هناسي، وقد هرب من القدس (أورشليم) وأسس مدرسة في قرية (يبنة) في فلسطين

وكانت اللغة المستخدمة في الجمارا الفلسطينية هي لهجة آرامية يهودية قريبة من اللغة السريانية.

ويشمل التلمود الفلسطيني على ما يقرب من 750000 كلمة، 15% منها هاجادا أي قصص أسطورية.   

يوجد في هذا التلمود مخطوطة واحدة (لايدين) من عام 1289م، وفي القرن السادس عشر طبعت نسخ عديدة منها، الأولى منها هي طبعة البندقية عام 1523م، ثم تجددت هذه الطبعة باسم طبعة (كروشين) عام 1866م. وتخلو الطبعات الحديثة لهذا التلمود في أيامنا من كثير من العبارات والفصول، ولا يعود ذلك لإهمال النساخ، بل لأن اليهود التلموديين قاموا بتزييف متعمد للتلمود مراعاة لموقف أوروبا المسيحية الغربية، التي اضطهدت اليهود في العصر الوسيط بسبب تعاليم التلمود.

ثانيًا: التلمود البابلي:

ما هو التلمود عند اليهود؟ يمكن التمييز بين التلمود الأورشليمي والتلمود البابلي بأن التلمود البالبي نسبة إلى بابل في العراق، حيث قامت المدارس الدينية اليهودية في العراق في كل من سورة ونهر دعة وعانة، بشرح المشنا وتشكيل ما سمي بالتلمود البابلي، كما أطلق على التلمود البابلي تسمية “تلمود أهل المشرق”.

ويتفق العلماء اليهود على أن استخدام لفظة “التلمود” بمفردها إنما تدل على التلمود البابلي، وهذا يؤكد أولية هذا التلمود وتفوقه على التلمود الأورشليمي.

عرف الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون (رمبام) المشنا في مقدمة كتابه (شرح المشنا) بقوله:

“منذ أيام معلمنا موسى النبي حتى الحاخام المقدس يهودا هناسي لم يتفق أحد من علماء اليهود على أن عقيدم من العقائد التي كانت تدرس علانية باسم (القانون الشفهي)، بل كان رئيس محكمة كل جيل، أو نبيه، يضع مذكرة عما سمع عن أسلافه وموجيهه، لينقلها شفهيًا إلى شعبه، فاقتصرت مهمة من أتوا بعده، ومنهم السابورائيم (العقلاء- المناظرون) الذين أضافوا شروحهم إلى التلمود في القرنين السادس والسابع الميلادي”

وجمعوا بين الآراء المختلفة، فقاموا بتهذيب المشناة، وأضافوا لها شروحات، وأدهلوا عليها تحسينات، فساهم هؤلاء في عملية تدوين التلمود وتنظيمه، شأنهم شأن التنائيم (المعلمون)، والأمورائيم (الشراح والمتكلمون)، والجاؤونيم (المفسرون) من رؤساء المجامع اليهودية، ورؤساء مدرستي سورة وبومباديثا في القرون (6- 11) الميلادية في بابل والبوسكيم (المقررون الفاصلون) من الحاخامات الذين فسروا التلمود، وكل هؤلاء ساهموا بتدوين التلمود وتنظيمه على مدى ألف عام”.

ففي عام 351م، وحين دمر القائد الروماني أورسيشينوس مدن طبرية وصفورية واللد في فلسطين، حيث كانت فيها مراكز التدريس اليهودي، هاجر العديد من اليهود إلى بابل، فانتقل العمل من فلسطين إلى بابل لجمع التلمود البابلي وتدوينه، وساهم في هذا الرابي آشي (352- 427م) مدير مدرسة سورة، ثم تابع التنسيق والتوفيق جيلان كاملان من الربيين، وانتهى مع رابينا الثاني عام 499م رئيس مدرسة سورة، ومع هذين العلامين، آشي ورابينا، انتهي عهد التشريع الديني، وكذلك حقبة الأمورائيم، فخلفهم السابورائيم.

وقد امتد عملهم حتى منتصف القرن السابع، ومن منتصف القرن السابع سمي روؤسائ مدرستي سورة وبومباديثا بالجاؤونيم (العباقرة الممتازون)، الذين أثروا كثيرًا على يهود الشتات، في شمال أفريقيا وإسبانيا وفرنسا، موضحين النقاط الغامضة من التلمود، وهم الذين كانوا يتخذون القرارات ويعطون التوجهيات، وبواسطتهم وعلى يدهم فرض التلمود على اليهود فكرًا عقديًا وسلطة دنيوية في الوقت ذاته.

ويتفوق التلمود البابلي على التلمود الأورشليمي، فالجمارا الأورشليمية لم تلق الصدراة والاهتمام والاعتماد نظرًا لغموضها، بينما اعتمد اليهود نسخة بابل في المقام الأول وفي جميع الأزمان والظروف.

وخلافًا لتلمود أورشليم، وضع تلمود بابل ليكون في أيدي اليهود لائحة قانونية معتمدة وكتابًا يدرسه الطلاب اليهود، ويحوي هذا التلمود على مليونين ونصف المليون كلمة تقريبًا، منها 30% عن الهاجادا (القصص والأساطير)، والبقية من الهلاخا (الشريعة والأحكام)، كما يحتوي تلمود بابل على 3000 صفحة من القطع المتوسطة، مكتوب بلغة خليطة، منها العبرية والآرامية الشرقية، وكلمات يوننية ولاتينية معبرنة، وأقدم مخطوطة باقية هي فلورنسا وميونخ من عام1175م.

عن مصرايم

شاهد أيضاً

تحريف العهد القديم | موقع مصرايم

تحريف العهد القديم | موقع مصرايم

تحريف العهد القديم | موقع مصرايم