الصفة التاريخية للديانة اليهودية- تاريخ الأديان

الصفة التاريخية للديانة اليهودية

يعني وصف الديانة اليهودية بالتطور أنها كعقيدة وشريعة لم تولد كاملة، ولكنها أتت إلى الوجود ناقصة، وبدأت تدخل في مراحل من التطور وصلت بها في النهاية إلى درجة معينة من الاكتمال، و يزال الباب مفتوحًا أمامها في المستقبل لكي يتم تطويرها. وهذا يعني أن العوامل التاريخية لها دورها الكبير في صياغة الديانة اليهودية إلى الحد الذي يمكن الحكم معه على الديانة اليهودية بأنها ديانة تاريخية تتحكم فيها مسيرة التاريخ اليهودي قديمًا وحديثًا، ويلعب العامل التاريخي دورًا أساسيًا في بنائها. وهذا يعني أيضًا أن اليهودية بدأت في التاريخ ديانة بسيطة، ثم تطورت تاريخيًا، الأمر الذي أضاف إلى بنيتها الأساسية البسيطة تغييرات وتعديلات أدت إلى أن تصبح على درجة من التعقيد ابتعدت بها عن بساطتها القديمة.

لكي يتضح ما نقصده بهذا الحديث نقارن وضع اليهودية هنا كعقيدة وشريعة بوضع الإسلام، فالإسلام كعقيدة وشريعة وُلد كاملاً منذ بدايته، ولم يمر بمراحل تطور في التاريخ كما حدث لليهودية. فالعقيدة الإسلامية نص عليها القرآن الكريم، وأخذت شكلها النظري والعملي كاملة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك أيضًا بالنسبة للشريعة الإسلامية التي أخذت شكلها الكامل نظريًا وعمليًا في عصر الرسول عليه السلام. وقد نشأت المذاهب الفقهية فيما بعد لشرح الشريعة وتفسير وسائل تطبيقها، وكانت قواعدها وأصولها مستقرة منذ العصر الإسلامي الأول.

للمزيد إقرأ أيضًا:

أما اليهودية فالوضع مهعا يختلف تمامًا، فهي لا تزال إلى يومنا هذا تتعرض لأشكال من التعديل والتغيير التي تواكب الظروف التاريخية والمتغيرات السياسية والاجتماعية والأخلاقية للجماعات اليهودية في العالم. ويعطينا تاريخ تدوين العهد القديم (كتاب اليهود المقدس) دليلاً واضحًا على كون اليهودية ديانة متطورة عقيدة وشريعة، فالعهد القديم، وهو المصدر الأساسي للديانة اليهودية، قد استغرق تأليفه وتدوينه قرابة ألف عام، وهذا يعني أن اليهودية عقيدة وشريعة قد تطورت داخل العهد القديم نفسه لمدة ألف عام، من القرن الثالث عشر قبل الميلاد إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وظلت الديانة تتطور خارج فترة العهد القديم إلى يومنا الحالي.

ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذا التطور الذي تتصف به اليهودية هو الذي سمح لبعض اليهود في العصر الحالي بربط الصهيونية باليهودية، واعتبارها حلقة من حلقات تطور اليهودية، وإن زعموا أنها الحلقة الأخيرة، وهذا التطور أيضًا هو الذي سمح لبعض اليهود اعتبار الصهيونية دينًا بديلاً لليهودية، وإن ظل هذا اعتقاد فئة قليلة متطرفة في فكرها الصهيوني.

ولعل من أهم الأسباب التاريخية التي أدت إلى اتصاف اليهودية كعقيدة وشريعة بصفة التطور هذه، هو وقوع اليهود في فلسطين وخارجها تحت حكم دول وإمبراطوريات متعددة، أثرت على الديانة اليهودية، كما أثرت على التشريعات اليهودية بصفة خاصة. فقد وقع العبريون والإسرائيليون القدامى تحت حكم المصريين والأشوريين والبابليين والفرس واليونان والرومان والمسيحيين والمسلمين. وكل شعب من هذه الشعوب أثر حضاريًا في الإسرائيليين، وتركت ديانته ونصوصه التشريعية أو القانونية أثرها الدائم على اليهود، فأخذ الإسرائيليون قديمًا عن القوانين التي ظهرت في بلاد النهرين، خاصة قانون حمورابي الشهير، كما تأثروا بالديانة المصرية القديمة، وكان لفترة السبي البابلي 586- 538 ق.م أيضًا تأثيرها على الدين اليهودي.

وفي العصر الفارسي تأثروا بديانات فارس وبخاصة ديانة زرادشت. وفي العصر اليوناني تأثروا بالفلسفة اليونانية في تفسير العقيدة والشريعة. وفي العصر الروماني تأثروا بالقوانين الرومانية. كما كان للنقد المسيحي لليهودية تأثيره في قيام حركات إصلاحية لليهودية. وكذلك كان للنقد الإسلامي أثره في مزيد من التطور لليهودية عقيدة وشريعة. وهكذا كان للعامل التاريخي دائمًا هذا الدور المباشر في تعديل اليهودية وتطويرها.

والسبب الثاني الهام- والذي يعتبر في حقيقة الأمر نتيجة نهائية للسبب الأول- هو سيادة ظاهرة الشتات على التاريخ اليهودي العام، والتي كان من نتيجتها العامة تشتييت اليهود إلى جماعات متعددة تعيش في بلدان متفرقة، تحت ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متباينة الأمر الذي كان له تأثيره الحاسم في تكيف اليهودية كعقيدة وشريعة مع الظروف الزمانية والمكانية التي تواجه كل جماعة يهودية على حدة، الأمر الذي نتج عنه تباين الجماعات اليهودية واختلافها أيضًا على مستوى العقيدة والشريعة.

الشتات اليهودي العام يؤرخ له اليهود ببداية السبي الروماني عام 70 م، والذي نتج عنه الشتات العام الذي استمر إلى يومنا هذا، ولكن الحقيقة أن الشتات كظاهرة في التاريخ اليهودي أقدم من تاريخ السبي الروماني، فقد جربه اليهود من قبل زمن السبي الآشوري عام 721 ق.م، وزمن السبي البابلي عام 586 ق.م. بل إن بعض المؤرخين اليهود يعتبرون فترة الوجود العبري في مصر من بين فترات الشتات في التاريخ اليهودي، رغم اختلاف الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية للحياة العبرية في مصر. ووفقًا لهذا الرأي الأخير يعود الشتات اليهودي في التاريخ إلى القرن الثامن عشر أو السابع عشر قبل الميلاد. لكن تبقى حقيقة هامة وهي أن السبي الروماني عام 70م هو الذي تسبب في الشتات النهائي والعام لليهود في بلاد العالم.

ولعل من أهم نتائج الشتات العام خلق جماعات يهودية متباينة، تعيش في ظل ظروف مختلفة لاختلاف الأمم الأوروبية، وخضوع هذه الجماعات اليهودية لقوانين هذه الأمم وتشريعاتها، الأمر الذي أجبر هذه الجماعات على التغيير والتطوير في شرائعها الخاصة لكي تساير قوانين الأمم الأوروبية المختلفة.

المصدر: أ.د\ محمد خليفة حسن، تاريخ الأديان، دراسة وصفية مقارنة، قسم اللغات الشرقية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 1996، ص 178- 181.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

الفرق الیھودیة القدیمة وتأثيرها في الواقع

الفرق الیھودیة القدیمة وتأثيرها في الواقع

الفرق الیھودیة القدیمة وتأثيرها في الواقع