الحياة على رقعة الشطرنج!

الحياة على رقعة الشطرنج!

لا أدرى لماذا تتراءى لى الدنيا من بين حين وحين كرقعة للشطرنج لها “مراسى” بيضاء تتخللها بالتساوى “مواقف” أخرى قاتمة!! وعلينا أن نتحرك بين الأبيض والقاتم طوعا أو كرها حتى نحافظ على حياتنا نحن معشر “الملوك” بلا مملكة جولة بعد جولة لنخرج من هذه الحياة “متعادلين” لا لنا أو علينا على الأقل!!..ولربما نجحنا فى الفوز فيها إن أجدنا “الهجوم” على مواقع الخصوم، وزحفنا بجيوش يشد بعضها بعضاً نحو “الأهداف” فنصيبها بسهامنا مهما تحصنت فى عرينها!!..أما إذا تقهقرت خطوطنا ذعراً، وذابت فى رقعة الحياة بلا رابط، وأصبحت تتأكل قطعة بعد قطعة، وجولة بعد جولة كان “الخسران” لا محالة!!..

ومن ثم، فلا جدال أن لاعب الشطرنج الماهر يجيد فنون الحياة!!..

فلكل قطعة فى جيوشنا دور ورسالة!!..

للمزيد إقرأ أيضًا:

فعلى الرغم من كونه وزيرًا إلا أن عليه أن يتقهقر للخلف إن إعترض بيدقاً يوما طريقه!!..فلا كبرياء فى ذلك وإلا “أكله” من هو دونه، وإن كان من الموت لا محالة، فليكن بيد وزير مثله!!..

كذلك الملك، لا يجب أن يتحرك وسط الجيش حتى لا يكون صيدا سهلا لسهام الأعداء، بل عليه أن “يُبيت” فى عرينٍ حصين ليراقب عن كسبٍ الموقف، ويوجه الجنود، فهو العقل المفكر إن قُتل مات الجسد، وإن بقيت لكل الأعضاء مظاهر الحياة!!..

أما البيادق، فهم يعلمون علم اليقين أنهم لا وجود لهم فى الرقعة إلا من أجل الموت دون الملك!!..ولا يتحركون إلا فى حدود خطوة أو أثنتين على الأكثر إلى الأمام دون إلتفات ليمين أو شمال!!..ويعلمون أنهم سيُضحى بهم فى أى وقت حفاظاً على موقف الجيش، ولربما مجاناً فى أحيانٍ أخرى استدراجاً للأعداء أو فداءا لحياة الملك أو حاشيته المقربين فى مواقف أخرى!!..وعلى الرغم من صعوبة الدور، إلا أن البيادق الماهرة التى تستطيع أن تحتفظ بحياتها، و تمر بين الصفوف بإصرارٍ إلى أخر الرقعة فلربما تقلدت يوما ما كان بالأمس فى عداد المستحيل!!..

…ولسرعة حركته، وتعدد مواضع أقدامه، فإن الحصان لابد بين حينٍ وأخر أن يُغير على مواقع الأعداء لا لهدف أحياناً سوى خلخلة الخطوط، واكتشاف الثغرات!!..وهكذا الحياة لا يسلم المرء من كراتها إن غارت عليه أحصنتها!!..ولربما هدد الحصان بقنص هدف من عديد من الأهداف تطولها أقدامه بحركة واحدة إن تناغمت حركاته على الرقعة خليطة الألوان!!..وعليه حينئذ أن يُحسن اختيار من يُبقى ومن يقنص!!..

أما “أفيال الشطرنج” ذات “الرؤية” الثاقبة فهى سهام بعيدة المدى، تحمى الحصون، وتطهر المواقع..ولا مناص من الاحتفاظ بها لرد كيد الأعداء أو دحرها عن بعدٍ فى عرائتها!!..فلا يجيد الفيل “الإشتباك”، ولا يصيب الهدف إلا إذا شحذت نصاله!!..وأخليت طرق “الأوتار” فى طريقه!!..

ولا يخلو الأمر من حاجة إلى قوة غاشمة إن استعصت الحيل، وأصبح لا مناص من دك الحصون، وهكذا الطابية التى لا حرج من فتح الطريق أمامها فى نهاية الأدوار “لدهس” ما أستعصى ترويضه من الخصوم!!..

فالشطرنج حياة لا يجب أن نتسرع فى “نقلاتها” أو نفقد تركيزنا عند “كراتها” حتى تستمر “أدورانا” فيها!!..

بقلم الكاتب والباحث الاقتصادي

د. على زين العابدين

عن علي ذين العابدين

د/ علي زين العابدين قاسم حاصل علي الدكتوراة في الاقتصاد الزراعي، وله العديد من الدراسات في مجالات إدارة الجودة، والتنمية الزراعية.. له كتاب بعنوان "الجودة تكاليف وعوائد".

شاهد أيضاً

تحقق مفهوم “دولة اسرائيل الكبرى” في العصر الحديث

تحقق مفهوم "إسرائيل الكبرى" في العصر الحديث