تحليل لغة الجسد في خطاب نتنياهو الأخير “خطاب الأكاذيب”

تحليل لغة الجسد في خطاب نتنياهو الأخير “خطاب الأكاذيب”

تحليل لغة الجسد في خطاب نتنياهو الأخير “خطاب الأكاذيب”: في خطاب نتنياهو الأخير، تحدث نتنياهو بلغة أخرى غير لفظية، كانت لغة جسد نتنياهو هي الأكثر تعبيرًا عما يريد إيصاله وإنجازه، كانت عيونه تنظر إلى الأركان كما لو كانت تهرب من خلق اتصال مباشر، الأمر الذي يثبت حقًا أنه لم يكن يعني ما يقوله.

بعد أن اتهم المدعي العام الإسرائيلي افيخاي ماندلبليت رسميًا، رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدد من قضايا الفساد، منها الخيانة، وخيانة الأمانة، وقبول الرشاوي، في ثلاث فضائح مختلفة، بعد تحقيق دام ثلاث سنوات. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها رئيس حكومة إسرائيلي، بارتكاب الجرائم، وهو لا يزال في منصبه.

ردًا على ذلك ظهر نتنياهو على التلفزيون الوطني، حيث ألقى خطاب أراد من خلاله اقناع مؤيديه بأن هذه الاتهامات ذات دوافع سياسية، وأن هذا الوضع يعد “انقلاب على السلطة“، واصفًا الاتهامات بالمفبركة والمغرضة والملوثة.

هذا ما استطعنا أن نفهمه مما خرج من فم نتنياهو، بيد أن لغة الجسد التي ظهر بها نتنياهو خلال الخطاب يمكن أن نفهم منها أمور أخرى، وربما يمكننا أن نفهم منها عكس ما أراد نتنياهو توصيله.

تحليل لغة الجسد في خطاب نتنياهو الأخير

خلال خطابات نتنياهو السابقة، اعتاد أن يتوجه إلى مستمعيه، قائلاً: “مواطني إسرائيل”، بيد أن هذا التعبير في هذا الخطاب كان مختلف، حيث بدا صوته كئيبًا ومكسورًا، كما لو كان يحاول كتم الدموع،.

وعلى عكس معظم الأوقات التي خاطب فيها جمهوره بهذه الكلمات، كان ينحني هذه المرة بعمق واحترام، مستخدمًا رأسه وجذعه، كما لو كان يركع أمام الجمهور. كان يبدو كرجل يكافح من أجل حياته كرجل حر، كان يخاطب قلوب جمهوره بالكلمات ولغة الجسد من أجل كسب الحب والتعاطف.

خلال الستون ثانية الأولى من الخطاب، والتي رد فيها نتنياهو على الاتهامات الموجهة ضده، يمكن أن نلاحظ على الفور بأنه لم يأخذ قسطًا كافيًا من النوم، حيث استبدل وضعه المستقيم بأكتاف متدلية، لأنه وكما يبدو أن الحمل أصبح ثقيلاً عليه.

تحليل لغة الجسد في خطاب نتنياهو الأخير “خطاب الأكاذيب”

من الناحية العاطفية، أراد أن يذكر جمهوره بأنه أعطى حياته لوطنه. كما كان يعض على شفته السفلى محاولاً وقف الدموع التي تهدد بالانفجار، واستمر في محاولة كسب التعاطف من خلال تذكيره بأنه حارب وجُرح وناضل “من أجلها- בשבילה”، وهي كلمة أنثوية رقيقة لوصف بلده “المحبوبة”.

للمزيد إقرأ أيضًا:

بعد حوالي عشرين ثانية من خطابه البلاغي، قال مفتخرًا بأنه ناضل من أجل مواطنيه في الساحات الدولية، الذين كان يتوقع منهم أن يفخروا بذلك أيضًا، غير أنه في نهاية الجملة هبطت أكتافه مرة أخرى استعدادًا لإرسال أصعب الكلمات في الخطاب “لكن علىَّ أن أخبركم أن هذا يوم صعب للغاية، صعب على أولئك الذين يدعمونني ويحبونني”.

بالفعل لقد بدا على نتنياهو أنه من الصعب جدًا أن يبتلع إهانته، وخيبة أمله بقرار المدعي العام، في هذه اللحظة من الخطاب، كان يبلع ريقه بشكل واضح. كذلك فإن تكرار كلمة “صعب” ثلاث مرات، وإيماءه برأسه عدة مرات “نعم، نعم”، مغلقًا عينيه، توحي بأنه يواجه صعوبة بصرية في مواجهة مصيره.

أخيرًا، يأتي إلى العبارة الرئيسية، التي تبدأ بكلمات الآداب المعسولة، التي لا يؤمن بها حقًا، حيث يقول: “أنا أحترم كثيرًا السلطات القانونية الإسرائيلية، والتي تُعرف بشهرتها العالمية ونزاهتها… لكن”، إن كلمة “لكن” بحد ذاتها كفيلة أن تمحو للتو المديح الذي تفوه به عن السلطات القضائية، هذا ما تقوله لغة نتنياهو اللفظية، أما ما تقوله لغة جسد نتنياهو، من خلال الكثير من الومضات، وإغلاق العين المطول، والعيون المشتتة، تثبت بالفعل بأنه لا يعني حقًا ما يقول.

أنا أتهم!!

في النصف الثاني من الجملة نأتي إلى بيت القصيد، إلى جملة نتنياهو المفضلة في أغلب الخطابات “أنا أتهم- אני מאשים”، “وأعتقد أنه علىَّ أن أكون أعمى، كي لا أرى أن شيئًا سيئًا يحدث”، عند محققي الشرطة، وفي النيابة العامة، هذا على الرغم من أن السلطات القانونية، التي شهد لها منذ لحظة، بالشهرة العالمية والنزاهة، هناك شيء سيء يحدث فيها، مثله تمامًا.

إنه هنا يلقي ذنبه على الخصم، يهاجمه ويلومه على إدعاءات لا أساس لها، مثل الإنقلاب على السلطة. وقد أكثر من استعمال كلمة “قذرة- מזוהם”، من أجل وصم النيابة العامة، والشرطة، وأشخاص معينون، والعملية بأكملها بالقذارة؛ لأنه إذا كانوا جميعهم ملوثون بالقذارة والتدنيس، فإن الجمهور الإسرائيلي سوف يكون في حيرة من أمره، ولا يعرف من يصدق.

لعقود من الزمن، أدار نتنياهو علاقته مع الجمهور الإسرائيلي من خلال وسائل الإعلام، وهو الأمر الذي أكسبه سمعة دولية، لكنه في نفس الوقت ورطه في اثنتين من تلك القضايا.

في النهاية يطرح السؤال، هل يحق للجمهور الإسرائيلي أن يقرر إذا ما كان نتنياهو مذنبًا، أم يحق له الظهور أمام الكاميرات؟ بالنسبة لمؤيدي نتنياهو لم يكن يتمنى أي منهم أن ينتهي عهده الزاخر بالكثير من “الانجازات” بهذا الكم من الأمور السيئة، أما بالنسبة لمعارضي نتنياهو فقد جاءت هذه الاتهامات في وقتها المناسب.

في النهاية، هل تحتاج إسرائيل إلى من يلوثها، أكثر مما هي ملوثة. إن نتنياهو ليس مجرد رئيس لحكومة دولة الاحتلال، إنه “الملك بيبي”، رئيس الحكومة الذي كسر العديد من الأرقام القياسية في السياسة الإسرائيلية، كونه يتهم بهذا الكم من الجرائم، فهذا يعكس بالتأكيد فساد السياسة الإسرائيلية، وبعدها عن الصورة التي يحاول الإسرائيليون تصديرها عن مؤسساتهم.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

مسلسل اليهود قادمون| الرد على أن فلسطين كانت أرض مقفرة

الرد على أن فلسطين كانت أرض مقفرة|| مسلسل اليهود قادمون