قصة الخلق ما بين القرآن والتوراة والإنجيل

قصة الخلق ما بين القرآن والتوراة والإنجيل

تعد مسألة قصة الخلق مدخلاً للتعرف على المنطق الذي يميز كلاً من التوراة والقرآن الكريم. تفتتح التوراة أسفارها بسرد تفاصيل قصة خلق الكون، فيما يولي القرآن الكريم الأمر أهمية خاصة فيتكرر ذكرها في العديد من الآيات الكريمة.

تعد قصة الخلق في كلا الكتابين نقطة انطلاق نحو تبرير أو فهم الأحداث اللاحقة، أي أن النظرة الأولى نحو الكون وكيفية الخلق لها علاقة مباشرة في تحديد مختلف العلاقات الإنسانية وفهم التطورات الاجتماعية والتاريخية وغيرها.

قصة الخلق في التوراة

تستهل التوراة السفر الأول وهو سفر التكوين بتوضيح الخطوات التي اتخذها الله في خلق الكون “قصة الخلق”:

 فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.” (التكوين 1: 1)

مراحلة ما قبل الخلق

أي أن مرحلة ما قبل الكون تميزت بالظلمات والمياه، ثم ابتدأ الله بخلق النور؛ وبذلك خلق النهار والليل. بيد أن سفر التكوين لا يفسر كيف أصبح هناك نور ويوم كامل بنهاره وليله، بينما لم يخلق الله الأنوار إلا في اليوم الرابع، إذ يقول النص الخاص باليوم الرابع:

وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ. (التكوين 14: 19)

ربما تمت الإشارة إلى الليل والنهار بداية كأمر رمزي، وليس كواقع عملي لأن وجودهما مرتبط بالشمس وعلاقتها بالأرض.

في اليوم الثاني جزء الله المياه:

وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ. فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً.” (التكوين 1: 6- 8)

للمزيد إقرأ أيضًا:

وفي اليوم الثالث خلق الله اليابسة، وأنبت فيها النبات الذي جعل تكاثره في بذوره. أما في اليوم الرابع فقد خلق الله الأنوار، وذلك للفصل بين الليل والنهار، ولمعرفة التواريخ والأوقات.

ومن الملاحظ هنا أن التوراة تعتقد بخلق الأرض قبل الشمس. ثم خلق الله في اليوم الخامس الحيوانات بأنواعها والطيور. أما في اليوم السادس فقد خلق الإنسان؛ وبذلك أتم الله خلق السموات والأرض.

” وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ.” (التكوين 2: 2)

بيد أن التوراة تذكر في موضع آخر أن الله خلق السموات والأرض قبل أن يخلق النبات، وذلك بأن ظهر الماء على سطح الأرض، ومن ثم خلق الله الإنسان من طينها.

قصة الخلق في القرآن الكريم

أما في القرآن الكريم فالأمر مختلف إلى حد كبير، فعلى الرغم من أن عددًا من الكُتاب والمستشرقين الغربيين يرون أن القرآن قد أخذ قصصه عن قصة الخلق من التوراة، واستند على العقل والكتابات المسيحية، إلا أن الاختلافات القائمة تضع علامة استفهام على مدى فهم هؤلاء لنصوص القرآن.

في البداية يتبين أن القرآن الكريم لا يسرد مسألة قصة الخلق كقصة متوالية الأحداث، وإنما يذكرها كما هو الحال بالنسبة إلى عدد من الأمور الأخرى، في بعض الآيات الواردة في سور مختلفة، لكنه ليس من العسير على القارئ أن يتتبع الترتيب والمعنى.

تظهر المفارقة الأولى والمهمة بين القرآن الكريم والتوراة في مسألة قصة الخلق وخلق الكون في ستة أيام، تقول الآية القرآنية:

“إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” ( الأعراف 54)

وفي آية كريمة أخرى:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ” ( السجدة 4)

لكم من الصعب فهم معنى كلمة أيام بحسب فهمنا الاعتيادي للكلمة، لأن القرآن يعطي فهمًا مختلفًا، حيث يقول:

 “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ” (السجدة 4- 5)

ويقول سبحانه في آية أخرى:

تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ” (المعارج 4)

يقول بعض المفسرين من علماء المسلمين أن كلمة يوم هنا تعني يوم القيامة، لأن الكافر يشعر بأن اليوم أطول بكثير مما يتصور بسبب شدة العذاب. بيد أن هذا التفسير لا يمت إلى النص بصلة ولا علاقة له بالكافر.

من الواضح أن النص مرتبط بخلق السماوات والأرض، وأن متابعة التفسير لمعنى اليوم كانت للتأكيد على أن المعنى الإلهي له فهم مختلف عن الفهم البشري. وليس من المستبعد أن يكون للتفسير الحقيقي علاقة بالدورات الزمنية وليس بدوران الأرض حول نفسها.

أما بخصوص الأصل الذي انبثق عنه الكون، فمن الواضح أن القرآن الكريم يؤكد الأصل المائي، حيث تقول الآية الكريمة:

“وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ” (هود 7)

ثم يذكر الغازات التي تحتوي الذرات الدقيقية، والتي يعبر عنها بكلمة دخان، حيث يقول سبحانه وتعالى:

ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ”( فصلت 11)

كما يقطع القرآن الكريم أيضًا بأن السماء والأرض كانتا كتلة واحدة، ثم انشقت الكتلة لتكون السماوات والأرض والكواكب والأجرام السماوية، يقول سبحانه وتعالى:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” ( الأنبياء 30)

ورغم أن التوراة تذكر الأصل المائي للكون، إلا أنه من المستبعد جدًا أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد أخذ ما تبع ذلك فيما يخص قصة الخلق عن أخبار بني إسرائيل، الأمر الذي لم يكن متناسبًا مع المستوى العلمي الذي كان سائدًا في ذلك الوقت.

وهناك فرق آخر مهم بين التوراة والقرآن بخصوص الشمس والقمر وتتابع الليل والنهار في قصة الخلق، فبينما لا تميز التوراة بين الشمس والقمر كجسمين مضيئين بقولها “نيرين”، فإن القرآن وصف الشمس بالسراج ووصف القمر بالمنير، تقول اللآية الكريمة:

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا” ( الفرقان 61)

وتقول آية كريمة أخرى:

“أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا” (نوح 15- 16)

والمعنى هنا هو أن السراج له نور ذاتي، بينما هناك شك في الجسم المنير، الذي قد يكون نوره صادرًا عن جسمه وقد لا يكون، لكن لا مجال للشك في أن النور صادر من السراج نفسه.

كما تحدث القرآن عما يوحي باستدارة الأرض أو توسعها في قصة الخلق عندما قال:

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا” (النازعات 30)

تقول بعض التفاسير أن دحاها تعني بسطها، لكن هذا تفسير مغلوط، لأن الكلمة “دحا” تعني “وسع الشيء ليملأه”. ومما يؤكد أن هذا التوسع كان بمعنى التكوير قوله تعالى في الليل والنهار:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” ( لقمان 29)

وقوله تعالى:

يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ” (الزمر 5)

من هاتين الآيتين نفهم أن التداخل يأخذ شكل التدرج الانسيابي الكروي، وهذا أمر غير وارد في التوراة، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم على وعي بهذه الأمور الفلكية.

ينطبق هذا الاتجاه الفلكي الموجود في القرآن الكريم، والذي لا تقف الاكتشافات ضده فيما يخص قصة الخلق، على العديد من الآيات القرآنية، فمثلاً يقول القرآن إن الأجرام تسبح، وذلك وفقًا لما جاء في الآية:

لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” ( يس 40)

وتتحدث آية أخرى عن أن الشمس تسير نحو وضع معين:

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” (يس 38)

والفرق المهم والأخير، والذي تجدر الإشارة إليه، هو أن التوراة تقول باستراحة الرب يوم السبت أو في اليوم السابع، بينما لا يذكر القرآن شيئًا عن ذلك، بل يقول تعالى:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ” ( ق 38)

وكلمة “لغوب” هنا تعني التعب، ومعنى الآية الضمني هو أنه لم يحصل أي تعب، وإذا كان في ذلك رد عما ورد في التوراة فإنه يعني أنه لا لزوم للراحة ما دام التعب لم يحصل.

وفكرة الاستراحة تحتوي ضمنًا على بذل الجهد، وهذا بدوره يحتوي على نوع من التعب. بينما فكرة عدم التعب تعني ان الجهد لم يحدث، أو بصورة أدق لم يحصل جهد كما نعرفه نحن البشر، لينتج تعبًا كما نعرفه أيضًا، وفكرتا الاستراحة واللا لغوب تنسجمان مع فكرتي التوراة والقرآن حول الذات الإلهية، حيث تصور التوراة الرب بأنه:

“هُوَ حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟ الْمُزَحْزِحُ الْجِبَالَ وَلاَ تَعْلَمُ، الَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ. الْمُزَعْزِعُ الأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا، فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا. الآمِرُ الشَّمْسَ فَلاَ تُشْرِقُ، وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ. الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ، وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ. صَانِعُ النَّعْشِ وَالْجَبَّارِ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ الْجَنُوبِ. فَاعِلُ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ، وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ” (سفر أيوب 9: 4- 10)

ورغم أن التوراة تصف الرب بصفات كمالية، فإنها لا تصر عليها، ففي عدد من المواقع تتخلى عن كمال الرب، لتضفي عليه بعض الصفات البشرية. فمثلاً يشعر قارئ التوراة أن الرب قد يكون له جسم ويدان ووجه كما للبشر.

ومن الممكن أن يتكلم بصوت يسمعه الإنسان العادي، أو أن يخوض جدلاً أو أن يتراءى. فهي تنص على أن الرب يكلم موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه، والرب يحزن في بعض المواقع، لقد حزن أنه خلق الإنسان وأسكنه الأرض عندما رأى معاصيه أيام نوح عليه السلام:

فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». (التكوين 6: 6- 7)

وكذلك ندم الرب عندما عاقب بني إسرائيل، وأمر ملاكًا بهدم المدينة المقدسة، وهو أيضًا إله غيور ويطلب من موسى ألا يعبد آلهة أخرى:

لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ،” (التثنية 5: 9)

ويعبر عن شعوره بالمهانة عندما قال لموسى:

حَتَّى مَتَى يُهِينُنِي هذَا الشَّعْبُ؟ وَحَتَّى مَتَى لاَ يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُ فِي وَسَطِهِمْ؟” (العدد 14: 11)

يختلف القرآن الكريم في ذلك عن التوراة، حيث ينزه القرآن الذات الإلهية، ولا يضفي عليها أية صفة بشرية، فيبقى وصف الذات الإلهية على ذات الوتيرة دون اختلال في توازنها، تقول الآية الكريمة:

“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” (سورة البقرة 255)

وتقول أخرى:

“لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.

آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ. وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (سورة الحديد 2- 10)

قصة الخلق في الإنجيل

أما الإنجيل فإنه لا يتطرق إلى مسألة خلق الكون “قصة الخلق”، فما من إنجيل من الآناجيل الأربعة يذكر أيام الخلق أو تتابعها، مما يجعلها خارج مجال المقارنة. بيد أن المسيحية تعتمد روح ما ورد في العهد القديم في هذا الصدد، أي أنها تؤمن بمقدرة الله على خلق الكون في زمن محدود، ودون إعطاء تفسيرات حرفية للتتابع الزمني الوارد أو للتاريخ الذي يمكن تحديده من خلال ذلك. أي أن الوصف التوراتي يرمز إلى المقدرة الإلهية، ولا يصف الحدث التاريخي كما حدث فعلاً.

وتدعم النظرة المسيحية إلى السبت هذا الرأي، فيوم السبت في الإنجيل ليس بالحرفية التي تتمسك بها التوراة، من حيث إن السيد المسيح عليه السلام (عيسى بن مريم) كان يقوم ببعض الأعمال يوم السبت، كإشفاء المرضى والتعليم رغم معارضة اليهود.

ويقول التفسير المسيحي أنه من المفترض أن يكون للإنسان وقت للراحة، لا أن ينقطع بالضرورة عن العمل في وقت محدد. أي أن المسيحية لا تلتقي مع اليهودية في تفسير طبيعة يوم السبت، ومن هنا فليس هناك نص إلزامي على المسيحي أن يستريح بالضرورة في أيام الآحاد، بينما يلتزم اليهود المتدينون بالراحة يوم السبت التزامًا تامًا.

المصدر: د. عبد الستار قاسم، “إبراهيم والميثاق مع بني إسرائيل في التوراة والإنجيل والقرآن”، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشئون الدولية، القدس الشريف، ط2، 1994، ص 7- 14.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية