“وادي الموت” معركة المزرعة الصينية أكبر معركة دبابات منذ الحرب العالمية الثانية

“وادي الموت” معركة المزرعة الصينية أكبر معركة دبابات منذ الحرب العالمية الثانية

معركة المزرعة الصينية هي معركة اندلعت بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي خلال حرب السادس من أكتوبر في 15 أكتوبر 1973 في الضفة الشرقية لقناة السويس.

تبدأ معركة المزرعة الصينية عندما خططت قيادة الجيش الإسرائيلي أثناء حرب أكتوبر لاختراق قوات الجيش المصري عبر المنطقة الواقعة بين الجيش الثاني والجيش الثالث الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس، لفتح مساحة تكفي لتجميع جسور عائمة لعبور القناة، وبعد ذلك تتحرك الفرقة 143 المدرعة الإسرائيلية بقيادة الجنرال أرئيل شارون لقطع خطوط الإمدادات للجيش الثالث المصري.

الاسم معركة المزرعة الصينية

وقد سميت معركة المزرعة الصينية بهذا الاسم نسبة لاسم موقعها، وهي محطة زراعية تجريبية على الضفة الشرقية لقناة السويس تغطي ما يقرب من 15 ميلاً مربعًا.

كانت الحكومة المصرية قد أسست خلال الخمسينات محطة لدراسة إمكانية الري وزراعة المحاصيل في التربة الصحراوية القاحلة في شبه جزيرة سيناء. حيث حُفرت خنادق عميقة واسعة النطاق للري عبر المحطة، وكانت معدات الري الآلية مستوردة من اليابان. بيد أنه تم التخلي تمامًا عن المشروع لبعض الوقت قبل عام 1967.

أثناء حرب 67 استولت القوات الإسرائيلية على المحطة، وقد لاحظ الإسرائيليون الأحرف على المضخات والآلات الأخرى وظنوا أنها حروف صينية، لذا وصفت بـ “المزرعة الصينية ” على الخرائط العسكرية.

التحضير لـ معركة المزرعة الصينية

تمكنت القوات المصرية من السيطرة على الضفة الشرقية لقناة السويس خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر. وقد كانت كان رد الفعل الإسرائيلي أمام المفاجئة المصرية بطيئة؛ ففي الثامن من أكتوبر 1973، أمر الجنرال شموئيل جونين، قائد الجبهة الجنوبية، بشن هجمات واسعة النطاق ضد الدفاعات المصرية الجديدة على الضفة الشرقية للقناة. إلا أن القوات المصرية كانت على أهبة الاستعداد، وبالتالي أصبحت تشكيلات الدبابات الإسرائيلية هدفًا سهلاً للصواريخ بعيدة المدى المصرية. وسرعان ما تم صد الهجوم مما كبد الإسرائيليين خسائر فادحة.

للمزيد إقرأ أيضًا:

بسبب إحباط جونين وفشله في اختراق خطوط القوات المصرية، أمر بوقف فوري لجميع الهجمات. الأمر الذي كان في مصلحة المصريين، لكي يكسب السوريين حلفائهم الوقت لتعطيل الدبابات إسرائيلية في معركة دفاع ثابت، وهو صد الهجوم دون محاولة كسب أرض.

كما فشل جونين في إنقاذ المشاة المحاصرين على خط بارليف، مواصلاً إضاعة الوقت في اجتماعات عقيمة دون وضع خطة جديدة. وفي العاشر من أكتوبر، تم استبدال جونين بالجنرال حاييم بارليف، الذي ترك موقعه كوزير للصناعة والتجارة والعمل بناء على طلب شخصي ومباشر من رئيسة الحكومة الإسرائيلية وقتها جولدا مائير.

عملية ابيراي ليف אבירי לב “ثغرة الدفرسوار”

وضع الجنرال بارليف وقادته الميدانيين أرئيل شارون وابراهام أدان في الثامن من أكتوبر خطة لاختراق خطوط القوات المصرية. وقد سُميت العملية باسم عملية أبيراي ليف، وباللغة العبرية אבירי לב، والتي تعني “شجعان القلب”، حيث استغلت خطة بارليف اكتشاف طائرة الاستطلاع الأمريكية SR-71، وجود فجوة كبيرة بين خطوط الجيش الثاني والثالث على الضفة الشرقية للقناة قرب الدفرسوار. نتيجة خطأ في التخطيط، كانت الوحدة المصرية التي تدافع عن ذلك الجزء قد أُمرت بالاتجاه شمالاً، بدون تكليف أي وحدة أخرى بأخذ مكانها.

قُدر في المرحلة الأولى من خطة بارليف أن تهاجم قوات آدان الجناح الجنوبي للجيش المصري الثاني، والجناح الشمالي للجيش المصري الثالث، بهدف صرف الأنظار عن قوات شارون.

وفي المرحلة الثانية تقوم قوات أرئيل شارون باختراق خطوط القوات المصرية، وتدمير أي قوات في منطقة الدفرسوار، ثم تأمين منطقة لعمل جسر عائم على جانبي القناة مع استخدام القوارب المطاطية. حيث يقوم المهندسون العسكريون بعد ذلك وتحت حماية قوات شارون، بتجميع “الجسر الدوار” عبر قناة السويس.

وفي المرحلة الثالثة تعبر قوات شارون القناة وتنسحب قوات آدان إلى منطقة الممرات للدفاع عنها. في أثناء ذلك وفي الرابع عشر من أكتوبر أطلق المصريون ثاني هجوم منسق على الخط الإسرائيلي بأكمله على الضفة الشرقية. كان هذا الهجوم الثاني بأوامر شخصية من الرئيس أنور السادات لتخفيف الضغوط على الجبهة السورية في مرتفعات الجولان، بالرغم من المعارضة القوية من قيادة أركانه العامة، لأن الهجوم كان يعتبر انتحار بسبب التعزيزات الحديثة في الدفاعات الإسرائيلية.

وقد عُدت معركة المزرعة الصينية أكبر معركة دبابات منذ الحرب العالمية الثانية. قُدرت حجم القوات المصرية من الدبابات ما بين 400 إلى 1000 دبابة، و 5,000 جندي مشاة ميكانيكي. في مواجهة 800 دبابة إسرائيلية محصنة مع دعم قوات المشاة.

المواجهة الأولى بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية

رغم أن قوات شارون قد بدأت الهجوم، إلا أن سرعان ما ظهرت مشكلة عندما أتجه لواء آمون رشيف شمالًا، في نطاق الجيش الثاني المصري. فدخلت سبع كتائب من هذا اللواء في قلب كل من الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 مدرعة؛ وبذلك أصبحت المزرعة الصينية نقطة حرجة على طريق أبو طرطور الذي كان الطريق الوحيد الواسع والقوي الذي يمكنه تحمل الجسر الدوار الإسرائيلي الضخم اللازم لعبور القناة. الجسر كان أيضا النموذج الوحيد من نوعه المتاح على الجبهة الجنوبية، وتدمير الجسر يعني فشل العملية. لذا كان من الضروري السيطرة على المزرعة لنجاح العملية.

دفع آدان لواءين مدرعين، بقيادة الكولونيل ناتكي برعام والكولونيل جافريل عامير إلى المنطقة. وقد كانت مهمتهم لفتح طريق أبو طرطور. عندما تقدموا أصبحوا في مواجهة نيران المواقع شديدة التحصين المصرية. عندئذ فهم آدان أن وحداته المدرعة في خطر التدمير الكامل إذا حاولوا التقدم أكثر، وعلى الفور طلب دعم المشاة لتطهير المنطقة من مجموعات آر بي جي.

أوكلت المهمة إلى لواء المشاة المحمول جواً بقيادة الكولونيل عوزي يائيري، على الرغم من أنهم كانوا على بعد 80 كم غرباً. وقد كان وصولهم سوف يستغرق قرابة الساعتين، مما أبطأ العملية أيضًا، حيث تكبد اللوائين خسائر فادحة من صواريخ سام 6 وآر بي جي؛ الأمر الذي أدى إلى انسحابها من منطقة المزرعة.

الهجوم المصري على المزرعة الصينية

وصل حوالي 2200 جندي إسرائيلي قبل وصول قوات يائيري لمقر قيادة قوات الجنرال آدان كدعم. وبسبب اكتمال القمر تم استبعاد إمكانية وجود هجوم ليلي بالدبابات أو ناقلات الجنود المدرعة. كما تم استبعاد استخدام المظليين حتى لا يكونوا صيداً سهلاً للنيران المصرية.

غادرت الكتيبة 890 المحمولة جوا إلى أسفل طريق أبو طرطور في منتصف الليل بعد إعلامهم معلومات مضللة حول حجم وتسليح القوات المصرية الموجودة في الميدان من أجل إنقاذ الموقف. حيث قيل للجنود إنهم سوف يواجهون أفرادًا من صيادى الدبابات المصريين المتناثرين في المنطقة وأن عليهم تصفيتهم، وأن المهمة ستكون سهلة للغاية.

بيد أن جنود المشاة الإسرائيليين وجدوا أنفسهم في مواجهة المدفعية المصرية الثقيلة دون ساتر يحميهم. وفي غضون ساعة اتضحت صعوبة المهمة أو تطهير الطريق قبل النهار؛ لذا أرسل آدان ناقلات الجنود المدرعة إلى الطريق لإيجاد أي ثغرة تسمح لهم بالوصول للمزرعة الصينية بسبب يأسه الشديد.

في الساعة الثالثة إلا الربع صباحًا، واجهت الكتيبة 890 المحمولة جوًا بقيادة إسحاق موردخاى، والتي هاجمت المزرعة وابلاً من المدفعية الثقيلة والأسلحة الصغيرة، ولقى فيها مئات الجنود الإسرائيليين من الكتيبة 890 مصرعهم. وعلى النقيض لم تكن نيران المدفعية الإسرائيلية فعالة، حيث حاولت عدة محاولات غير ناجحة لتحريك الموقف المصري، لكنها كانت تواجه بوابل من نيران المدافع الرشاشة.

في ليلة الخامس عشر والسادس عشر من أكتوبر، خسرت قوات شارون أكثر من 300 قتيل و 70 من أصل 250 دبابة. وفي المقابل فقدت القوات المصرية حوالي 150 دبابة.

عندما اشتدت المعركة، سرعان ما تحولت المعركة إلى قتال في الظلام، وقد كانت هذه المعركة دامية وشرسة حيث كانت المواجهة بين الدبابات لا يفصلها أكثر من 1 كم فقط.

يذكر أحد قواد الدبابات الإسرائيلية أن جنديًا مصريًا، ظن أن القوات الإسرائيلية مصريين، فتسلق الدبابة وطلب سيجارة. فسحب قائد الدبابة الإسرائيلي دبوس قنبلة يدوية وأعطاها له.

أحد أسباب هزيمة القوات الإسرائيلية في هذه المعركة أن الدبابات الإسرائيلية كانت معاقة بسبب الظلام وقصر المدى، فلم يتمكنوا من استخدام أسلحتهم الرئيسية وأُجبروا على اللجوء إلى مواجهة قوات المشاة المصرية تحت مساراتها، في حين أن قادة المدفعية والدبابات استخدموا رشاشات عوزي من البوابات البرجية. كما كان المصريين يطلقون النار على الإسرائيليين من ثلاث جهات، حيث استمروا في التسلل عبر الخنادق.

وفي نفس التوقيت اكتشفت مجموعات الاستكشاف الإسرائيلية أن الطريق مفتوح وبدون عوائق وصولاً إلى تقاطع الطرق. وعندئذ، قرر آدان أن يخاطر فدعا ناقلات الجنود المدرعة للعودة، ثم دفعهم إلى الطريق المكشوف دون التغطية بقوات بديلة في القتال.

بعدها أرسل دان جرافات لدفع العربات المحطمة عن الطريق تحت حماية كتيبة من الدبابات. كما غادرت القافلة العسكرية في الساعة الرابعة صباحًا، في الوقت الذي كانت معركة المظليين تشغل اهتمام المصريين. بحلول الساعة السادسة والنصف صباح يوم 17 أكتوبر، وصلت القافلة إلى القناة، وبدأ بناء الجسر على الفور.

صرف آدان كامل اهتمامه لفتح الطرق المؤدية إلى موقع المعبر، الذي كان الغرض الأساسي للإسرائيليين؛ فبعث ألوية الدبابات للطريق. كما حاولت عناصر من قوات المشاة المصرية والفرقة المدرعة اعاقة قوات شارون، فنشب صدام مع القوات الإسرائيلية استمر طوال النهار، الأمر الذي منع دان من التخفيف عن ألوية المظليين المحاصرة في المزرعة.

في صباح يوم السابع عشر من أكتوبر، اتجه اللواء 14 المدرع المصري، الذي كان يمنع أي دخول إلى المزرعة من الغرب إلى الشمال، الأمر الذي سمح للواء الدبابات الإسرائيلية بضرب القوة المصرية الرئيسية في المزرعة في العمق. بعدها تراجع المصريون على مضض تحت ستار من النيران، مما سمح للواء الإسرائيلي بدعم قوات المظليين المتمركزة في الخنادق. وبالرغم من أن ناقلات الجنود كانت لا تزال تحت النيران المصرية، لكنها سرعان ما جمعت المشاة وانسحبت في سرعة قصوى للنقاط الحصينة على طريق أبو طرطور. وبذلك فقدت قوات المظليين الإسرائيلية 40 قتيلاً و 80 جريحًا بينهم اثنان من قادة السرايا. كما كانت خسائر عناصر الدعم والتخفيف ثقيلة.

بالرغم من ذلك استمرت المحاولات الإسرائيلية، بيد أنه تم صد أول محاولة إسرائيلية لمهاجمة المزرعة الصينية، ونتج عنها خسائر ضخمة. أما المحاولة الثانية فقد تمت بوحدة من المظليين الإسرائيليين، لكن تم محاصرتهم على الفور، وتم إرسال تعزيزات، لكنها اصطدمت بلواء دبابات مصري.

بعد يوم ونصف من القتال العنيف، خسرت فيها القوات المصرية 85 دبابة، مع عدد مماثل من الخسائر الإسرائيلية، انسحبت القوات المصرية من المزرعة الصينية، وأصبح الإسرائيليون قادرون على وضع جسر عبر قناة السويس. بعدها قاد آدان فرقته وراء الجيش الثالث المصري، وقطع خطوط الإمداد عن عشرين ألف جندي مصري كانوا محاصرين في سيناء.

وفي حوالي الساعة السادسة صباح يوم السابع عشر من أكتوبر قام المهندسون التابعون لفرقة شارون بدفع أول معدية بونتون إلى مياه القناة، تمهيدًا لدفع باقي المعديات عبر قناة السويس التي يبلغ اتساعها في هذه المنطقة حوالي 180 متر.

وفي الساعة الحادية عشر صباحًا وصل العميد جاكي نائب شارون إلى ساحة العبور وأصبحت تحت قيادته جميع القوات الموجودة في هذه المنطقة. وقبل الساعة الرابعة مساء يوم 17 أكتوبر تم ربط المعدية الأخيرة من سلسلة معديات الجسر، وأصبح جسر المعديات جاهزًا في انتظار وصول فرقة الجنرال أدان التي كانت منهمكة في ذلك التوقيت في عملية إعادة التنظيم، وكانت دباباته تقوم بإعادة الملء، وتعويض الذخيرة بالقرب من موقع كيشوف الذي كان الجنرال ادان قد فتح فيه في اليوم السابق مركز قيادته الأمامي، والذي انعقد بالقرب منه صباح يوم السابع عشر من أكتوبر مؤتمر كيشوف الذي حضره وزير الدفاع ورئيس الأركان والجنرال بارليف وكل من شارون وادان.

بسبب عبور القوات الإسرائيلية غرب قناة السويس، و حدوث الثغرة، أصدر القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية الرئيس أنور السادات يوم الثالث عشر من ديسمبر 1973، أمراً بتعيين اللواء سعد مأمون ـ قائد الجيش الثاني الميداني مع بداية الحرب وحتى التطوير شرقاً يوم 14 أكتوبر 1973 قائداً لقوات تصفية الثغرة، غرب القناة.

وقد أقام اللواء سعد مأمون هيئة قيادة ميدانية بالاستفادة من قيادة الجيش الثالث الميداني التي بقيت في الغرب، وزار القوات المخصصة له واستعرض الخطط الموضوعة ثم صاغ خطة شاملة، عرضها على القائد العام يوم 18 ديسمبر 1973، وصدق عليها القائد الأعلى يوم 24 ديسمبر 1973، بحضور كل قادة الأفرع الرئيسية والهيئات بالقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، على أن تكون جاهزة للتنفيذ في نفس يوم التصديق عليها.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

التحليل العسكري لـ معركة المزرعه الصينيه والثغره على الجانبين المصري والإسرائيلي

التحليل العسكري لـ معركة المزرعه الصينيه والثغره على الجانبين المصري والإسرائيلي

التحليل العسكري لـ معركة المزرعه الصينيه والثغره على الجانبين المصري والإسرائيلي