يهود المغرب.. هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل

نجمة داود على أحد الجدران في الحي العتيق في الحي اليهودي في المغرب المعروف باسم الملاح

يُعد يهود المغرب تاريخيًا أول مجموعة غير أمازيغية وفدت على المغرب، ولا تزال تعيش فيه إلى الآن[1]. دخلت اليهودية منطقة المغرب الأقصى في القرن السادس قبل الميلاد، واستطاع اليهود العيش وسط الأمازيغ وتبني لغتهم من خلال التأثير المباشر بين الجماعات اليهودية والأمازيغ، واحترفوا كل ركائز الحياة الاقتصادية رعي وصناعة، علاوة على التجارة التي حققوا منها ثروات طائلة، خاصة تجارة الرفاهيات والرقيق، ولم يقبل اليهود على الزراعة مهتمين بمهن أخرى تدر أرباحاً سريعة ولا تحتاج للتوطين.

على صعيد الحياة الاجتماعية لم يكن المجتمع اليهودي في المغرب مجتمعاً منغلقاً على نفسه، كما هو شائع عن المجتمعات اليهودية، وإنما كان في اختلاط دائم مع سكان البلاد في حياتهم اليومية. بل كانوا يعيشون في ظل وجود نظام للجوار أو الحماية من طرف القبائل الأمازيغية. فبعد دخول الإسلام للمغرب عام 710 للميلاد ووعي اليهود بهذه السيطرة، دخلوا في حماية الحكام الأمازيغ المسلمين منذ أوائل القرن الثاني الهجري.

اكتسب يهود المغرب الكثير من عادات المسلمين بدليل أنهم في المدن المغربية كانوا يؤمنون بتعدد الزوجات، رغم أن هذا محرم في ديانتهم، أما اليهود في القرى والجبال، فقد تأثروا بالأمازيغ واكتفوا بالزواج الأحادي. والدليل على ذلك ظهور مخطوط في مدينة مراكش يعود تاريخه إلى سنة ألف ميلادية يتحدث عن تحريم تعدد الزوجات.

هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل

أدى قيام دولة  “إسرائيل” عام 1948، وانتهاء عهد  الحماية الفرنسية  والإسبانية  في المغرب عام 1956، ووقوع  نكسة 1967، إلى هجرة الكثير من يهود المغرب إلى الدولة اليهودية، وبعضهم فضل الهجرة إلى فرنسا، وفئة هاجرت إلى كندا وبنسبة أقل إلى إسبانيا، وهو ما جعل عدد الباقين منهم يتراجع إلى حوالي 20 ألف نسمة بداية ثمانينات القرن العشرين، وهم اليوم أقل من ستة آلاف نسمة (المقيمون بشكل دائم). ومع ذلك فإن يهود المغرب ما زالوا يشكلون أكبر تجمع يهودي في البلدان العربية[2].

وحسب مصادر تاريخية فإن هجرة المغاربة اليهود إلى إسرائيل بدأت بدعم من المستعمر الفرنسي على دفعات، ولكن بعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956 منع الملك الراحل محمد الخامس هجرة اليهود، مقابل منحهم كافة حقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية. غير أنه رغم ذلك استمرت الهجرة سرًّا حتى سنة 1961، حين تُوفِّي محمد الخامس وخلفه ابنه الحسن الثاني؛ لتبدأ بعد هذا مرحلة جديدة من هجرة المغاربة اليهود عبر “صفقة” بين الأمريكيين والفرنسيين والإسرائيليين من جهة والمغرب من جهة ثانية. وبعد وفاة محمد الخامس، تغيرت الأمور، إذ كان هناك مكتب مخصص لـجوازات سفر اليهود وسقطت مقاومة الوطنيين اليهود لمسألة التهجير، بعد أن أصبح القانون يسهل عملية التهجير بتسهيل إعطاء الجوازات لليهود المغاربة[3].

للمزيد إقرأ أيضًا:

يرى زئيف فليناي זאב וילנאי[4] أن هجرة اليهود من المغرب كانت في كل العصور. فمثلاً كتب ربي يهودا الحريزي יהודה אלחריזי[5] في القرن الثالث عشر في فترة زيارته القدس أنه يوجد في المدينة “طائفة مهمة وحيدة” من “المغاربة”.

كما شهدت المغرب بعض النشاط الصهيوني، مثل الزيارات الدولية التي كان يقوم بها الصهاينة الفرنسيون، ونشر الكتابات الصهيونية الداعية إلى “الهجرة الجماعية ليهود المغاربة إلى “الوطن”، وهو ما يشير إلى أن اليهود في المغرب كانوا منعزلين، يعدون وجودهم هناك أمرًا مؤقتًا. ووصل التدخل الصهيوني في المغرب إلى درجة غير عادية حين قام بعض شباب اليهود بمظاهرة، ارتدوا أثناءها قبعات بيضاء محلاة بنجمة داود الزرقاء، ورددوا هتافات ضد الرئيس عبد الناصر خلال زيارته للمغرب. ولم تكن كل هذه النشاطات الصهيونية تهدف الدفاع عن حقوق أعضاء الأقليات اليهودية في العالم العربي، وإنما كانت تهدف إلى خلخلة انتمائهم السياسي ووضعهم القانوني، واستغلالهم لصالح الوطن القومي اليهودي[6].


[1] – حاييم الزعفراني، يهود الأندلس والمغرب، ج1، ترجمة: أحمد شحلان، مرسم الرباط، 1996، ص 25.

 1-חיים זאב הירשברגתולדות היהודים באפריקה הצפונית: התפוצה היהודית בארצות המגרב מימי קדם ועד זמננו, הוצאת מוסד ביאליק, תשכ”ה, כרך 1, עמ’ 33.

– [3]  עבור השנים 1964–1971: מיכאל אביטבולמרוקו ויהודיה : מכינון משטר החסות ועד ערב מלחמת העולם השנייה ( 1912- 1939), הספרייה הווירטואלית של מט”ח.

[4] – זאב וילנאי, היהודים המערבים כחלוצי הישוב בארץ, אוצר יהודי ספרד 6, (תכש”ג), עמ’ 183- 190.

[5]يحيا بن سليمن الحريزي: يهودي من أهل طليطلة ا ( 1166 – 1225م).ترجم كتب موسى بن ميمون الهامة، وأهمها «دلالة الحائرين» وتفسيره عن المشنا «كتاب السراج» إلى اللغة العبرية. كما ترجم  مقامات الحريري إلى العبرية. كما ألف “المقامات” وذكر فيها تجواله وزياراته للجاليات اليهودية في البلدان العربية وذكر أدبهم وثقافتهم في القرن الثالث عشر الميلادي.

[6] – عبد الوهاب محمد المسيري، الأيديولوجية الصهيونية، القسم الثاني: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة، عالم المعرفة، 61، ص 12-13.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية