نقد قصة الخلق في التوراة| خلق العالم والإنسان

نقد قصة الخلق في التوراة| خلق العالم والإنسان
نقد قصة الخلق في التوراة| خلق العالم والإنسان

قصة الخلق في التوراة

أثارت قصة الخلق في التوراة، والمذكورة في سفر التكوين العديد من التساؤلات حولها، كما وجهت لها سهام النقد، وكُتبت حولها العديد من المؤلفات والدراسات التي تناولتها بالتفصيل.

وقد كانت أغلب هذه الدراسات لكُتاب غربيين، ومنهم كاتب السطور التالية “ليوتاكسيل”، مؤلف كتاب “التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير”، والذي انتقد فيه بشدة القصص الواردة في العهد القديم، والتي رأى أنه جمع من الأساطير. وفي هذا المقال نعرض ما كتبه عن قصة خلق الإنسان والعالم، بيد أنه يجب التنبيه أن هذا هو رأيه بغض النظر عن موافقتنا له من عدمه.

لقد كان الله موجودًا في كل زمان. وفي بداية الأزمنة، كان وحده لم يكن في العالم غيره؛ بل لم يكن ثمة “عالم” أصلاً. وفي ذلك الزمان كان الإله يسمى “ألوهيم” هكذا يعظمه نص سفر التكوين اليهودي القديم، والمعنى الحرفي لكلمة “ألوهيم” هو “آلهة”، وإنه لمن الغريب حقًا أن تسمي التوراة سيدًا واحدًا بهذا الاسم.

أما “ألوهيم” هذا فهو “يهوه” و “رب الجنود” و “أدوناي”، كما تسميه التوراة في مواضع مختلفة. وكان قد أحس مللاً قاتلاً في خرابه الكوني. وأطلقت التوراة على هذا الخراب “توهو وبوهو”، وهو تعبير معناه بتصرف “لا قاع لا سقف”.

الحلقة الرابعة من مسلسل ساعة الاغلاق| שעת נעילה 4

وبما أن الأزل يمتد امتدادًا لا نهائيًا، فإننا نعتقد أن ملل “ألوهيم” امتد ملايين، لا بل مليارات القرون. ولكن فكرة لمعت في ذهنه، فبما أنه هو الله الكلي القدرة، إذًا لماذا لا يضني نفسه مللاً وسآمة، لماذا لا يفعل شيئًا ما، وهكذا قرر العجوز يهوه أن يطلق قدراته الإبداعية.

كان في إمكان يهوه أن يخلق كل شيء دفعة واحدة، بيد أنه قرر ألا يتعجل الأمور، “فلكل خضرة أوانها”. في البداية خلق السماء والأرض. والأدق أن نقول: إن المادة ظهرت تلقائيًا فور إعلان إرادته بذلك. وكانت تلك المادة عديمة الشكل، خالية بغير “قاع وسقف”، غارقة في المياه، “وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه” (التكوين 1: 2).

بعد ذلك إلتفت يهوه ليخلق السماء!! نعم السماء مرة ثانية! وتصف التوراة هذه العملية كما يلي: “فعمل الله الجلد وفصل بين المياه، التي تحت الجلد، والمياه التي فوق الجلد. ودعا الله الجلد سماء. وكان مساء، وكان صباح، يومًا ثانيًا” (التكوين 1: 7- 8).

الفيلم الاسرائيلي السمت “الطريق” مترجم للعربية

إن قصة المياه في قصة الخلق في التوراة التي “تحت” الجلد، والمياه التي “فوقه” تعكس الضلال الفظ الذي عُرفت به الشعوب البدائية كلها. فحسب التصورات القديمة، أن السماء عبارة عن جسم كثيف صلب، ومن هنا جاءت تسميتها بـ “الجلد”، أي القساوة “اليابسة”.

واعتقدوا أيضًا أن تجمعًا مائيًا هائلاً يقوم خلف ذلك الجلد، الذي تشكل السماء قاعه. وإذا كان كل قارئ يعرف اليوم أن المطر ما هو إلا الماء المتبخر من الأرض؛ فقد اعتقدوا في زمن ما، أن المطر هو الماء الذي ينساب من التجمع المائي العلوي، عبر فتحات صممت لهذا الغرض بالذات، لكن هذا الرأي الذي يثير السخرية اليوم، صمد طويلاً جدًا في أذهان الناس. ففي القرون المسيحية الأولى، أقره علماء اللاهوت كلهم.

لنمض معًا، في اليوم الثالث كانت ثمار عمل الله أكثر قيمة من نتائج عمله في اليومين السابقين، فلما جاب نظره المياه السفلى، قال لنفسه: إنه من الأفضل أن تجمع هذه المياه في أمكنة خاصة بها، كي تتمكن أجزاء اليابسة من الظهور. فتجمعت المياه صاغرة، في قيعان تشكلت في اللحظة نفسها، كما تشكلت في الآن عينه، اليابسة، وبرزت المرتفعات، التي انحدرت منها المياه، على شكل جداول وأنهار، سارت إلى البحار والبحيرات…

“ودعا الله اليابسة أرضًا، ومجتمع المياه بحارًا، ورأى الله ذلك أنه حسن” (التكوين 1: 10).

تحميل قاموس الاسماء العبرية pdf| לקסיקון השמות pdf

ويذكر هنا إلى أن الجد يهوه لا يزال راضيًا عن نتائج عمله. وقد يكون أطلق صيحة إعجاب، في كل مرة قائلاً: كيف لم أفطن إلى هذا كله من قبل…

في هذا اليوم نفسه، كان يهوه سعيدًا سعادة خاصة بيابسته وبحاره، لدرجة أنه رغب في خلق شيء ما آخر، قبل هبوط الليل. إذًا ، لتنبت الأرض عشبًا وبقلاً يبزر بزرًا، وشجرًا ذا ثمر يعمل ثمرًا كجنسه، بزره فيه على الأرض، وكان ذلك (التكوين 1: 11).

والحقيقة أننا عاجزون عن وصف دهشتنا حيال حكمة يهوه! تخيل مثلاً، لو أنه زرع الأرض شجرًا مثمرًا يطرح ثمرًا من غير جنسه، فما كان الذي سيحل بالأرض؟ فلنشكر الله أنه لم يزرع أشجار تفاح تثمر برتقالاً، أو أشجار برتقال تثمر أجاصًا، أو أشجار أجاص تثمر عنب الثعلب.. إذًا لكان اختلط الحابل بالنابل.

والآن بعد أن خضعت له الأرض، وتعالى ثمر التفاح وأثمر تفاحًا، رأى يهوه مرة أخرى “أن هذا حسن، وكان مساء، وكان صباح: يومًا ثالثًا” (التكوين 1: 12- 13).

قاموس عربي عبري | قاموس دايفيد أيلون pdf

بيد أنه ثمة أمر غريب آخر، فبفضل توزيع النور بصورة دقيقة، مرت ثلاثة أيام بصباحاتها ولياليها. وكان ذلك النور يترك مكانه لظلمات الليل، بعد أن يكون قد أضاء ذاك العالم الوليد طيلة النهار، دون أن يكون له مصدر مرئي، فليس هناك كلام عن الشمس حتى الآن، أي أنها لم تكن قد خلقت بعد، لكن هذا الشيء استحق نصًا طويلاً في التوراة: “وقال يهوه: لتكن أنوار في جلد السماء (لتضئ الأرض و) لتفصل بين الليل والنهار.

وتكون لأيات وأوقات وأيام وسنين. وتكون أنوارًا في جلد السماء، لتنير الأرض، وكان كذلك. فعمل يهوه النورين العظيمين: “النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل، والنجوم. وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الأرض، ولتحكم الليل والنهار، ولتفصل بين النور والظلمة، ورأى يهوه ذلك أنه حسن. وكان مساء، وكان صباح: يومًا رابعًا” (التكوين 1: 14- 19).

وهذا كله حقيقة صافية لا غش فيها، أليس كذلك؟ فالحديث هنا عن الشمس والقمر، إذًا وحسب التوراة، أن الوقت قد انقسم إلى ليل ونهار، قبل ظهور الشمس، التي لم يخلقها “يهوه” إلا في اليوم الرابع بعد ظهور العالم.

والحقيقة إنني لا أعرف ما الذي حدا بـ “الروح القدس”، لأن يلقن موسى مثل هذه الخرافات عن الشمس والنور؟ ولكن تخيل قارئي الكريم، أنه حتى نهاية القرن الميلادي السابع عشر، كان العلماء يعتقدون أن الشمس ليست مصدر الضوء، بل هي “تمرر” عبرها وحسب؛ أما الضوء فهو موجود بذاته. وحتى رينيه ديكارت نفسه كان من أنصار هذا الضلال.

الحريديم والحجاب: مرتديات النقاب في إسرائيل من هن؟

وقد توصل ريمر إلى اكتشافه هذا عن طريق مراقبة هبوط الظلام فوق الأقمار التابعة لكوكب المشترى، كان ريمر يقيم حينئذ في فرنسا، فكتب بحثًا عن اكتشافاته، وقدمه في أكاديمية باريس، في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1675.

واستمرت الحال هكذا حتى جاء الفلكي الدنماركي أولاف ريمر (1644- 1710)، الذي يدين العلم له باكتشتاف حقيقة هامة جدًا، ناقضت تعاليم التوراة مناقضة تامة، وهي أن الضوء الساقط فوق عالمنا مصدره الشمس، وهو لا ينتشر دفعة واحدة، ثم حدد هذا العالم سرعة الضوء، وهو ما ثبت صحته غير مرة، مبينًا أنه يصل من الشمس إلى الأرض في ثمان دقائق وثمان عشرة ثانية، أي أن سرعته حوالي ثلاثة مائة ألف كيلومتر في الثانية.

أما كاتب سطور قصة الخلق في التوراة فقد كان فريسة الجهل التام بشؤون الفلك، ولكن هذا لا يعفي يهوه من مسؤلياته، كان عليه أن يعرف كل شيء عندما كُتبت التوراة.

وما يلفت النظر، أن قصة الخلق في التوراة قد أعطت النجوم دورًا هزيلاً في عميلة الخلق: “نجمان كبيران”، هما الشمس والقمر، القمر هو تابع هزيل للأرض! بيد أن هذا الكاتب الجاهل لم يكن يعلم أن الأرض والقمر، وحتى الشمس، لا تعني إلا القليل في بناء الكون، فحتى شمسنا الباهرة الضياء، التي تعد الضوء الرئيس لعالمنا الشمسي، ليست أكثر من نجم متواضع، إنها واحدة من عشرات مليارات النجوم، التي تتألف منها منظومة النجوم العظيمة، مجرتنا.

أما المؤلف “المقدس”، فلا يرى سوى الأرض، ويربط كل شيء بها، لكن الأرض ليست سوى واحد من الكواكب، وهي تدور حول نجم صغير نسبيًا هو الشمس، التي تكبر الأرض بـ 300000 مرة، ومع ذلك يضعها مؤلف سفر التكوين تبعًا لجهله، في تبعية تابعتها، أي الأرض.

لا ريب أنه لو قدر لمؤلف الهراء التوراتي أن يعود إلى الحياة اليوم ليكتب قصة الخلق في التوراة، لصعق لدى قراءاته أي كتاب شعبي في علم الفلك، أو زيارته لأي مركز فلكي، حيث يستطيع أن يراقب من هناك جبال القمر، وبقع الشمس، والأقمار التابعة لكوكب المشترى، والأجرام السماوية الأخرى، التي زعم أن يهوه “وضعها في الجلد السماوي”.

ولكن لنعد إلى قصة الخلق في التوراة: “وقال يهوه لتفض المياة زحافات ذات نفس حية، وليطير طير فوق الأرض،على وجه جلد السماء، فخلق يهوه التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها، وكل طائر ذي جناح كجنسه، ورأى يهوه ذلك أنه حسن، وباركها يهوه قائلاً: اثمري واكثري واملئي المياه في البحار، وليكثر الطير على الأرض، وكان مساء، وكان صباح، يومًا خامسًا”.

وقال الله: لتخرج ذوات أنفس حية كأجناسها. بهائم ودبابات ووحوش أرض كأجناسها، وكان كذلك. فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها، والبهائم كأجناسها، وجميع دبابات الأرض كأجناسها، ورأى الله ذلك أنه حسن” (التكوين 1: 20- 25).

أليس هذا رائعًا حقًا! وفرك يهوه الكلي القدرة يديه سرورًا. ولكن عملاً آخر أكثر متعة، كان بانتظاره. فقد نظر إلى مخلوقاته كلها وتسائل قائلاً:

لكن أحدًا من تلك الحيوانات لا يشبهني. إنه لأمر مؤسف حقًا! فأنا أملك رأسًا جميلاً، وأذنين غير كبيرتين، ونظرة حية، وأنفًا مستقيمًا، وأسنانًا رائعة، والحقيقة أنني استطيع أن أصنع مرآة أرى نفسي فيها، ولكنني اعتقد أنه من الأفضل أن أرى نفسي إذا تخيلت شبيهًا آخر بي، حسن! يجب أن يكون في الأرض حيوان يشبهني..

وبينما شيخنا مستغرق في هذه المحاكمة الذهنية، كانت زمرة من القردة التي خلقها لتوه “تتشقلب عند قدميه”، فنظر إليها وقال في نفسه: إن من مخلوقاتي هذه ما يشبهني. ولكن ليس هذا هو المطلوب. فلكل من هذه القردة ذيل لا أحمل مثله. والحقيقة أن بينها من لا يحمل ذيلاً، ولكن… ليس هذا هو المطلوب!

ثم أخذ يهوه قبضة تراب رطب، وشرع يصنع منها إنسانًا، ولكن هل يستقيم بعد هذا قولنا: إن الله روح فقط، وليس له يدان؟

وتقول قصة الخلق في التوراة أيضًا، إن يهوه بعد أن صنع الإنسان “نفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حية” (التكوين 21: 7)

ونقع في الإصحاح الأول من سفر التكوين، على نقطة مبهمة يخيل إلينا أنها تجيز لنا أن نستنتج أن الله خلق الإنسان في البداية، جنسين في واحد، ولم يعدل هذا الوضع إلا في وقت لاحق. فالمسألة المتعلقة بالمرأة لم تظهر إلا في نهاية الإصحاح الثاني، أما السطر السابع والعشرون من الإصحاح الأول، فيقول: “فخلق الله الإنسان على صورته، خلقه ذكرًا وأنثى، على صورة الله خلقه”، هذه هي الترجمة الحرفية للنص العبري، الذي أعطى الدافع لانتشار خرافة الآلهة الثنائية الجنس.

ومن جهة أخرى، كان هذا النص يتعرض للتحريف في كل مرة، على يد المترجمين المسيحيين ذوي النوايا الحسنة، ويعود سبب هذا إلى غموضه بالذات..

بيد أنه من الخطأ تمامًا إعطاء هذا التخيل التوراتي أهمية كبيرة. وتنطوي التوراة على نصوص أخرى لاتحتاج أي فهم، بل قل إنها عصية على أي فهم. لذلك نرى، أنه حري بنا أن نلتفت إلى ما يعترف به جميعهم.

لقد خلق الله الإنسان، وأعلنه تاج الخلق، وفي اللحظة التي خلقه فيها دعاه ليرى الحيوانات كلها “وجبل الله من الأرض كل الحيوانات البرية، وكل طيور السماء، وأحضرها إلى الإنسان ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به الإنسان ذات نفس حية، فهو اسمها” (التكوين 2: 19).

لا ريب أنه كان استعراضًا مسليًا. وإنني على يقين من أن أي عالم طبيعيات، لم يكن ليجرؤ أن يأخذ مكان آدم في تلك الساعة.

وقال الله لآدم: “املؤوا الأرض، واخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض” (التكوين 1: 28).

ولكن ما يعرفه الجميع، أنه على الضد من إرادة يهوه هذه، فقد أُرغم “ملك الطبيعة” الإنسان، أن يقاتل قتالاً مريرًا ضد الأسود والنمور والدببة والتماسيح والذئاب وما شابه. ولم يكن النجاح حليفه دومًا؛ بل ولم يعد الإنسان فريسة للكواسر وحدها، فقد كانت الإنسانية كلها فريسة لكثير من الطفيليات: البراغيث والقمل، البق والأمراض التي تسببها الميكروبات.

أضف إلى هذا، أن الله الذي خلق الكواسر تحب “بفتيك” اللحم البشري في قصة الخلق في التوراة، أمر الإنسان أن يكون نباتيًا. فالتوراة تقول في هذا السياق: “وقال الله: إني أعطيتكم كل بقل يبرز برزًا على وجه كل الأرض، وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرًا. لكم يكون طعامًا” (التكوين 1: 29).

عن مصرايم

شاهد أيضاً

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية