أربعة طرق لعقوبة الاعدام في اليهودية

عقوبة الاعدام بالرجم في اليهودية

لا تعارض الشريعة اليهودية، من الناحية النظرية، تطبيق عقوبة الاعدام، بيد أن الدليل المقدم اللازم لتنفيذ حكم الاعدام لا بد وأن يكون جازمًا وقاطعًا. ولكن من الناحية العملية، ألغيت هذه العقوبة طبقًا للعديد من القرارات المبنية على نصوص التلمود، الأمر الذي جعل المواقف التي يمكن فرض عقوبة الاعدام فيها مستحيلة وافتراضية.

 قبل تدمير الهيكل اليهودي في القدس عام 70ميلاديًا، بأربعين عامًا، وبالتحديد في عام 30 ميلاديًا، قام المجلس الأعلى اليهودي (السنهدرين)، بإلغاء عقوبة الإعدام وجعلها عقوبة افتراضية، لتعكس قسوة العقاب، ولكن يجب تركها لينفذها الله وحده وليس عباده الذين لا يعتبرون معصومين من الخطأ.

طرق الاعدام في اليهودية

على الرغم من ذلك، وقبل إلغاء عقوبة الإعدام، أفتى الحاخامات اليهود، استنادًا للقانون المقرائي، بوجود أربع طرق لتنفيذ حكم الإعدام، والتي تسبب كل منها المعاناة بدرجة مختلفة، ويتم تحديد طريقة التنفيذ بحسب خطورة الجريمة التي ارتكبها المحكوم عليه، حيث توجد أربع طرق تتدرج وفقًا لشدتها، والتي رتبها الحاخامات من الأقسى للأخف: الرجم، الحرق، القتل، والخنق. وهناك من يرتبها بشكل مختلف، مثل الرابي شمعون: الحرق، الرجم، القتل، والخنق.

كانوا قبل الإعدام يخرجون المحكوم عليه لمكان القتل، ويعلقوا أمامه منشور، ويعترف بخطئه، ويسأل الحاضرين عما إذا ما كان يوجد شخص يمكنه الشهادة لصالحه، فإذا ما ظهر شخص كهذا، كانوا يعيدونه إلى المحاكمة، ويسمعون ادعاءاته. كما كان يمكنه طلب الشهادة في حق نفسه، والادعاء بأنه ارتبك أثناء محاكمته.

وكان على المحكوم عليه أن يقف على بعد عشرة أذرع من مكان قتله، وكان عليه أن يعترف بذنبه، وفي حالة الرجم، كان يقف على بعد أربعة أذرع، وكانوا يجردونه من الملابس (باستثناء النساء). ويرى موسى ابن ميمون أن التجريد من الملابس كان بغرض تسريع موته. وبعد ذلك كانوا يرشون عليه عطر مخلوط بخمر. وقد تنوعت طرق القتل كالتالي:

  • الرجم: حيث كانوا يصعدون المحكوم عليه لمبنى بارتفاع طول رجلين، ثم يقذفونه نحو الإرض، فإذا لم يمت، كان يمسك الحضور بأحجار ثقيلة ويقذفونها نحو قلبه، فإذا لم يمت، كان جميع الشعب يقذفونه بالأحجار حتى تخرج روحه.
  • الحرق: كانوا يربطون رقبته بقماشة، ويشدون من هنا وهنا (لكي يفتح فمه، وليس من أجل أن يموت هكذا، وهناك من يقول أنهم كانوا يفتحون فمه بكماشة)، ثم يضعون داخل فمه فتيل من الرصاص، أو رصاص وقصدير، حتى يصل الغليان إلى أحشائه.
  • القتل: حيث كانوا يفصلون رأس المحكوم عليه بالسيف.
  • الخنق: وكان يتم لف عنق المحكوم عليه بقطعة قماش قاسية ملفوفة بقطعة قماش ناعمة، ويتم سحبها من كلا الجانبين حتى تخرج روحه.

للمزيد إقرأ أيضًا:

الجرائم التي كان يُعاقب عليها بالإعدام في اليهودية

  • الرجم: كان يعاقب بالرجم مرتكب جريمة العبادة الأجنبية، والزانية المعقود قرانها، والرجل الزاني بها، ومدنس السبت، والمحرض على العبادة الأجنبية، ومن يلعن الرب، ومن يلعن أبيه وأمه، ومرتكب أو مرتكبة اتيان البهيمة، ومرتكب أو مرتكبة جريمة اللواط، والزاني بأمه، والزاني بزوجة أبيه، والزاني بزوجة ابنه، والابن العاق، والساحر، والدجال، والثور الذي قتل إنسان.
  • الحرق: ابنة الكاهن المتزوجة إذا ارتكبت الزنا، الزاني بإمرأة وابنتها، أو بإمرأة وحفيدتها، وتكون إحداهن زوجته، والزاني بابنته أو حفيدته.
  • القتل: رجال المدينة المنبوذة (وهي المدينة التي انحرف أغلب سكانها من الطريق وتوجهوا للعبادة الأجنبية)، والقاتل.
  • الشنق: الزوجة الزانية والرجل الذي زنا بها، ضارب أبيه أو أمه، من اختطف إنسانًا وتاجر به، والشيخ المضلل (الذي يفتي بعكس فتاوى السنهدرين)، والنبي الكاذب، والمتنبئ باسم الآلهة الأجنبية.

ما بعد الاعدام

التعليق

تأمر التوراة بتعليق من مات محكوم عليه بعقوبة الرجم، حيث جاء في سفر (العدد 21: 22): «وَإِذَا كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا الْمَوْتُ، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ عَلَى خَشَبَةٍ”. ويكون ذلك نهارًا، وفقًا لما جاء في سفر العدد (25: 4): “وَعَلِّقْهُمْ لِلرَّبِّ مُقَابِلَ الشَّمْسِ”، وكان هذا أمر الله لموسى، بأن بقتل الخاطئين بعبادة بعل فغور. على أية حال، كان يتم تعليق الجثة قرب غروب الشمس، وكانت تظل معلقة لبضع لحظات فقط؛ وذلك لأن الإنسان قد خُلق على صورة الله- وفقًا للعقيدة اليهودية- وأن هذا التعليق فيه نوع ما من الازدراء، حيث جاء في سفر (التثنية 21: 23): “فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا.”.

الحداد

لا يتم دفن المحكوم عليه بالإعدام في قبور أجداده، ولا يحزن عليه أقارب العائلة “حداد السبعة أيام”، في فترة الحداد. غير أنه بعد تعفن الجثة، كانوا يجمعون العظام، ويدفنونها في مدافن أجدادهم. وقد اختلفوا فيما إذا كان يجوز بعد جمع العظام والدفن أن يعود أهل الميت، ويقيموا سبعة أيام الحداد، أم أنه طالما تم إلغاؤها، فقد انتهى الحزن عليه.

أدوات القتل

بحكم الشريعة اليهودية، فإن السيف، أو الحجر، أو السترة التي تم استعمالها في القتل، يجب أن تُدفن بعد تنفيذ الإعدام، كذلك يتم دفن الشجرة التي يتم استعمالها في تعليق القتيل. وقد برر ذلك موسى ابن ميمون من أن ذلك يرجع إلى عدم ترك ذكرى سيئة، كأن يقال مثلاً، هذه هي الشجرة التي تم تعليق فلان عليها. ويكون دفن أدوات القتل على بعد عشرة أذرع من قبر القتيل، وليس في نفس قبره.

حالات إعدام في العهد القديم

هناك العديد من أمثلة الوفاة نتيجة لحكم بالقتل، وفي حالات مختلفة في العهد القديم:

  • الرجل الذي جمع حطب في يوم السبت، والذي تُذكر قصته في سفر العدد 15، فكان عقابه الرجم: “فَأَخْرَجَهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ، فَمَاتَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.” (العدد 15: 36)
  • الرجل الذي جدف باسم الله في البرية، وتم رجمه: ” فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُخْرِجُوا الَّذِي سَبَّ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَيَرْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ. فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.” (اللاويين 24: 23)
  • تم قتل الخاطئين بعبادة العجل بالسيف على يد ابناء لاوي.
  • قصة رجم عخان الذي أخذ من الحرام في حرب يشوع بن نون: “وَأَقَامُوا فَوْقَهُ رُجْمَةَ حِجَارَةٍ عَظِيمَةً إِلَى هذَا الْيَوْمِ. فَرَجَعَ الرَّبُّ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ. وَلِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَكَانِ «وَادِيَ عَخُورَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ.” (يشوع 7: 24)
  • في قصة انتصار يشوع بن نون على الخمسة ملوك في معركة جبعون: “وَضَرَبَهُمْ يَشُوعُ بَعْدَ ذلِكَ وَقَتَلَهُمْ وَعَلَّقَهُمْ عَلَى خَمْسِ خَشَبٍ، وَبَقُوا مُعَلَّقِينَ عَلَى الْخَشَبِ حَتَّى الْمَسَاءِ.”
  • عندما أرادت ايزابل أن تقتل نابوت اليزرعيلي، جعلتهم يشهدوا ضده بأنه جدف على الله وعلى الملك آحاب، ووفقًا لذلك تم رجمه بحسب حكم من يجدف على الله: “وَأَتَى رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي بَلِيَّعَالَ وَجَلَسَا تُجَاهَهُ، وَشَهِدَ رَجُلاَ بِليَّعَالَ عَلَى نَابُوتَ أَمَامَ الشَّعْبِ قَائِلَيْنِ: «قَدْ جَدَّفَ نَابُوتُ عَلَى اللهِ وَعَلَى الْمَلِكِ». فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ فَمَاتَ.” (الملوك الأول 21: 13)

حكم الاعدام في إسرائيل في العصر الحديث

في العام الماضي وافق الكنيست الإسرائيلي على مشروع القانون الذي قدمه رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” افيجدور ليبرمان، والذي يسمح بتنفيذ حكم الإعدام بحق “الإرهابيين”، بأغلبية 52 صوتًا مع مشروع القرار، و49 ضده.

ومن المعروف أن عقوبة الإعدام موجودة في القانون العسكري الإسرائيلي المطبق في الضفة الغربية المحتلة منذ خمسين عامًا، ولكن لم يسبق تطبيقه. حيث لم يتم تطبيق أي حكم إعدام في إسرائيل منذ عام 1962 منذ إعدام الزعيم النازي أدولف إيخمان. وكان البرلمان الإسرائيلي قد ألغى عقوبة الإعدام للقضايا الجنائية في عام 1954. ولكنه ما زال يقره نظريًا لجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة أو الخيانة أو الجرائم ضد الشعب اليهودي. حيث يجعل الكيان الصهيوني من نفسه القاضي والجلاد، كما حدث في قضية أدولف إيخمان.

وقد أثار مشروع القانون الذي قدمه ليبرمان العديد من التساؤلات، والتي كان أهمها، ماذا في حالة قيام أحد اليهود بالقيام بعمل إرهابي، وكانت الإجابة على هذا التساؤل معروفة وحاسمة، بالطبع لا، لأن حكم الإعدام ببساطة يتعارض مع الشريعة اليهودية.

عن عزيزة زين العابدين

مترجمة لغة عبرية، وباحثة في الشئون الإسرائيلية في تخصص تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي.

شاهد أيضاً

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية

موسى بن عمران في الخطط المقريزية